آخر تحديث: 9 / 8 / 2025م - 11:32 م

الصفار والقلق من الآخر

حسين علي حسين

تعرفت على سماحة الشيخ حسن موسى الصفار منذ سنوات في مناسبة اجتماعية بمدينة الرياض، ولعل ما لفت نظري إليه في ذلك اللقاء، روحه السمحة السامية، وحيويته وقبوله، وهو رجل الدين، لكل الشرائح الاجتماعية، التي قد ينتمي بعض أفرادها لتيارات فكرية أو عقائدية، ممن يتحفظ في لقائهم رجل الدين أو الفقيه التقليدي. يُضاف إلى ذلك حواره الحر المنطلق الهادئ حتى مع من يختلفون عنه اجتماعياً أو فكرياً أو عقائدياً أو مذهبياً.

ومع أنني لست فقيهاً أو مهتماً بأمور العقائد، إلا أنني لمست وأنا ألتقيه بعد تلك المناسبة، في كل مجلس أو محاضرة، دعوته بل حرصه على الحث على التقارب الإنساني، وألا تكون الاختلافات أو التباينات الفكرية أو المذهبية أو العرقية أو المناطقية، حاجزًا أو سببًا للتفرقة والعزلة بين أبناء الوطن الواحد.

وكانت محبة الوطن والولاء له حاضرة على الدوام في خطابه ومشاركاته الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية، وكان حريصاً على التواصل مع الجميع، مهنئًا أو مواسيًا أو داعمًا للعاملين في الحقول العلمية والثقافية والاجتماعية. إنه يشعرك عندما تلتقيه بأنه لا فواصل بينه وبين قاصدي مجلسه من كافة الشرائح الاجتماعية أو الثقافية أو العلمية.

وإلى ذلك فإن الشيخ حسن الصفار يملك رؤى فكرية حضارية هادفة في دراساته ورؤاه الفقهية، يحرص على العمل عليها ونشرها من خلال المحاضرات والمؤتمرات واللقاءات الاجتماعية وخطب الجمعة. إن هذه الرؤية، من المنظور العام، تختلف عن خطابات رجال الدين أو الفقهاء التقليديين أو المحافظين الذين تقتصر جهودهم على الاهتمام بالأمور الفقهية، بينما نجد أن الشيخ الصفار كان وما يزال مهتماً، إلى جانب رسالته الفقهية، بما يعانيه المجتمع بكافة فئاته من العديد من القضايا والمشاكل الاجتماعية، مثل الخلافات الزوجية ومشاكل الشباب وحثهم على طلب العلم والقراءة، وكذلك الحث على المشاركة الاجتماعية والتوعية بأضرار المخدرات والسهر والقطيعة العائلية. ولم يكتف سماحته بالمشاركة في المناسبات العامة وإلقاء المحاضرات وإمامة الصلاة، فطروحاته العلمية والفقهية والاجتماعية والثقافية موجودة في عشرات المؤلفات التي يرفد بها بانتظام الساحة الثقافية، وهي مؤلفات تناقش بلغة عربية فصيحة واضحة كافة القضايا التي تشغل الساحات الثقافية والاجتماعية.

وأمامي وأنا أدون هذه السطور كتاب ”القلق من الآخر“ وهو كتاب صغير الحجم بالغ الأهمية، ضم بين دفتيه محاضرة ألقاها سماحته في ”أحدية المبارك“ التي كانت تعقد على مدى سنوات في منزل الدكتور راشد المبارك أسبوعيًا، رحمه الله. وقد كنت موجودًا أثناء إلقائه لهذه المحاضرة التي شهدت حضورًا مكثفًا وتعليقات ضافية لحساسية الموضوع الذي تطرق له الشيخ الصفار، وهي العلاقة التي قد تكون قلقة أو متوترة بين المنتمين لمذاهب وعرقيات مختلفة مع أنهم من وطن واحد. وقد جاء على الغلاف الأخير من هذا الكتاب أو المحاضرة، تعليق بالغ الدلالة لمعالي الدكتور جميل الحجيلان قال فيه: ”قدر لي أن أحضر أمسيتين من أمسيات الأحدية. حاضر في الأمسية الأولى منهما الشيخ حسن الصفار، العالم الشيعي الرزين، الذي حمله صدق المواطنة، لأن يجعل في تلك الأمسية، من البحث في موضوع متفجر شائك، وسيلة لإجهاض مواقف التشنج، والدفع جانبًا بالمبالغة والغلو، ودعوة المتجادلين للالتقاء على حب الوطن، وقطع الطريق على الجهالة والنية المشبوهة“. ولأن الزمن الذي ألقيت فيه تلك المحاضرة غير الزمن الذي نعيش فيه الآن، فقد شهدت المحاضرة مداخلات كثيرة غاب عن بعضها سعة الأفق والموضوعية، والشيء الجميل أن رؤية الشيخ حسن الصفار لم تتغير منذ ذلك الوقت. ومن يتابع محاضراته ومقالاته وأبحاثه التي صدرت في مؤلفات قد تصل إلى المائة سوف يجد أنه ليس أمام فقيه فقط، لكنه أمام عالم وخطيب ومفكر ومصلح اجتماعي وثقافي يحث باستمرار على الحوار والمشاركة العامة والمكاشفة، وهي رؤية القصد منها التقليل قدر الإمكان مما أطلق عليه ”القلق من الآخر“، وهي حالة إنسانية عامة موجودة في كافة الدول والبيئات، وخير ضابط لها التسامح وسعة الأفق وسن القوانين وعدم التمييز في توفير الحاجات.

وللشيخ حسن الصفار كتاب آخر ناقش من خلاله بعض جوانب العاطفة الإنسانية ككتاب: ”فلسفة العاطفة الدينية“، ومن ضمنها أو من أهمها العاطفة الدينية، حيث يرى أن ”إحياء المناسبات الدينية، وتجديد ذكرى الرموز والقيادات الدينية، من أهم روافد تنمية العاطفة الدينية في نفوس أجيال الأمة، لذلك تحتفي معظم المجتمعات الإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف، وذكرى الإسراء والمعراج، وذكرى غزوة بدر الكبرى، كما اعتمد حدث الهجرة النبوية بدايةً للتاريخ الإسلامي“، وهو يقول بأهمية العاطفة الدينية وضروريتها، مع شرط أساسي أن لا تجنح هذه العاطفة بصاحبها نحو الغلو في غير الأساسيات من الدين، مثل إحياء مناسبة عاشوراء وموالد ووفيات الأئمة والموالد التي يحرص على إحيائها من لديهم ميول صوفية في بعض المذاهب الإسلامية.

والشيخ الصفار من القلة المشتغلين في الشأن الديني الذين يحرصون أن يضم مجلسهم كُتّابًا ومثقفين وعلماء وفقهاء من كافة الدرجات والتوجهات، وهو رجل منحه الله روحاً منفتحة متسامحة. أقول هذا الكلام المختصر عن سماحته من واقع لقاءات متعددة جمعتني به في منزله ومنزلي وفي كثير من المناسبات.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سلمان منصور العنكي
[ محافظة القطيف/ القديح ]: 6 / 8 / 2025م - 10:58 ص
نعم الشيخ الصفار هو كما ذكر هنا واكثر وقد اشرت انا للكثير مما ورد في هذا المقال عند زيارته لجماعة الغنامي بالقديح بتاريخ 2025/2/17 انقلها بكاملها للقراء ...... ============================ { زيارة الشيخ /حسن الصفار للغناميين }...  بسم الله الرحمن الرحيم ... و الصلاة والسلام على النبي الامين محمد و على اله الطاهرين. ===========================   ... تشرفت جماعة الغنامي و سعُدت و مَن حضر في هذا المجلس مساء يوم الاثنين ليلة الثلاثاء الموافق { 18/ شعبان/ 1446} هجرية باستقبال العالم العامل العلم المنفتح على كافة ألاطياف مع تباعد اعمارها و اختلاف ثقافاتها و تباين افكارها . سماحة الشيخ / حسن بن موسى بن الشيخ رضي الصفار القطيفي حللت اهلاً شيخنا و نزلت سهلاً بقدومك زائراً لاحبتك في قديح القطيف { تلبية للدعوة التي وجهت لفضيلتكم } الشيخ حفظه الله رمز إسلامي بارز مشهود له في الاوساط العلمية و الثقافية و المحافل باحث محقق للروايات و المنقولات المعنية بالتراث و التاريخ . له عشرات المؤلفات المطبوعة تميز بمفردات و انجازات مِن ابرزها بأختصار :- الاولى : هو حفيد العالم الرباني الفقيه المرحوم الشيخ رضي الصفار المتوفى عام "1374" هجرية المدفون في كاظمية العراق في الصحن الشريف للامامين الكاظم والجواد عليهما السلام . الذي كان خادماً لمجتمعه بإخلاص في زمن شحت فيه العلوم و العلماء يختلف على البلدان متابعاً لامور أهلها موجهاً يحيي مجلسه دوماً بكلمته المشهورة { سلوا و عوا } يستيقظ بها العقول من سباتها و يستنطق الالسن بعد صمتها فيتعلمون ما ينفعهم لدينهم و دنياهم . إذاً لا غرابة ان يكون ضيفنا شبيهاً لجده . فانشطته الفعالة المتتالية شواهد على ذلك . الثانية : أرتقى المنبر الحسيني خطيباً متمكناً مبدعاً و ما تعدى العاشرة حتى داع صيته " و سمي " بالشامي وقتها " تيمناً بالخطيب العراقي المعروف آنذاك " السيد حسين الشامي" قرأ مَن نحتفي به في قديحنا بين عامي 1388 و 1389 هجرية في مجلس المرحوم الحاج عبدالله آل كمال و عند عائلة الناصر كل اسبوع " و كان ياتي من بلد سكناه اليهم ماشياً " و من خمسة عقود استضافه ثلة من الشباب المؤمن محاضراً في مسجد الشيخ وسط البلاد . فافاد كثيراً . الثالثة : مِن صفاته تقبل النقد و متى تحققت ايجابياته تبناه بل يراه تكملة لما غاب عنه آخذاً بمبدأ { رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب } يحترم كل المواقف ما لم تخالف الآداب أو يقصد بها التجريح و التحريض مع ذلك هي عنده معلومة و مرآة يكشف من خلالها حقيقة ما يدور . الرابعة : : متواجد في الساحة الاجتماعية على المستوى الفردي و المؤسساتي علاقاته عمودية افقية في مجلسه العامر يستقبل أبناء المحافظة يستضيف وفوداً من خارجها يكرم رموز الاستحقاق و الشخصيات المؤثرة بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو المناطقية يتجاوب مع الدعوات التي تصله و سرعان ما يلبيها . دائم السؤال عن معارفه و اصدقائه و متابعيه و العامة . يشارك في الافراح و الاتراح يرفع المعانات يخفف الآم عمن يتعرض لشيء منها و في الظروف الصعبة يقف في واجهة الحدث بكامل امكانياته . هذه الاعمال عنده مِن الأولويات و بمعنى اعم يمثل منظومة دينية اجتماعية متكاملة . الخامسة : حريصه شديد على الاوقات حتى البسيط منها . حياته مرتبة " قليل مثله في هذا الجانب " يعد يلتزم يفي ... له براعة الإتقان في ادارة اعماله . يعتني بمحاضراته بدقة متناهية يدعم استدلالاتها من مصادر الاطراف الاخرى و العالمية . يستشهد بها إن وافقت أخذها و إلا أعرض عنها و هذا واضح جلي لمن يستمع لخطبه أيام الجمع و ليالي المحرم هو انموذج مشرف نتمنى أن يُقتدى به ... لدينا الكثير و الكثير و منعاً للاطالة نكتفي بهذا .                ......................................... لقاء العلماء بالعامة و الحوارات البينية خُطوات تصحيح للمفاهيم القديمة منها والحديثة بعد ما كانت متداولة دون تمييز المسند المقبول من المرسل المردود .حيث بين ضيفنا و ووثق ما كان مخفياً و خافياً على الكثيرين لقرون مضت دون أن يخوض مَن سبقه في عمق بحورها لمعرفة صحتها و استخراج جواهرها فبادر لها موفقاً و اخرج منها ما أمكن الامتنان له على جهوده الحثيثة المضنية في الاصلاح و نشر الوعي و المناداة بالوحدة و العيش المشترك بين ابناء الوطن الواحد ... جزاه الله خيراً على ذلك و سدد خطاه و ضاعف ثواب أعماله و اطال بعمره في أمن و عافية نسأله تعالى ان يطهر قلوبنا من النفاق و أعمالنا من الرياء و السنتنا عن الكذب و يوحد كلمة المسلمين على الحق و يجعل لهم النصر على اعدائهم بجاه محمد و اله الطاهرين عليهم السلام .. اللهم آمين ... شكراً لشيخنا الكريم لتفضله بهذه الزيارة .. شكراً للحضور جميعاً .. شكراً لابناء المرحوم الحاج /عبدالكريم الحميدي لاستضافتهم هذا اللقاء المبارك ........................... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .................. 2025/2/17 مع تحيات /جماعة الغنامي عنهم/////////// سلمان بن منصور العنكي