آخر تحديث: 22 / 8 / 2025م - 10:55 م

أنصار الإمام الحسين (ع): مسلم بن عوسجة الأسدي

محمد يوسف آل مال الله *

مسلم بن عوسجة الأسدي رضوان الله عليه، هو أحد كبار أصحاب الإمام الحسين ، ومن الشهداء الأبرار الذين استشهدوا معه في واقعة كربلاء سنة 61 هـ. يُعد من أوائل الأنصار الذين بايعوا الإمام الحسين ، وكان من الوجوه البارزة في الكوفة قبل خروجه.

نسبه وشخصيته: هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة الأسدي السعدي، من قبيلة بني أسد، وهي من القبائل المعروفة بالشجاعة والولاء لأهل البيت ، وكان معروفًا بالورع، والشجاعة، والتقوى، وحسن الإيمان، وشيخًا كبيرًا في السن يوم كربلاء، ولكنّه لم يتوانَ عن نصرة الإمام الحسين .

سيرته قبل كربلاء: كان مسلم بن عوسجة «رضوان الله عليه» من الوجهاء الشيعة في الكوفة، وأحد الأنصار المخلصين لدعوة الإمام الحسين ، حيث لعب دورًا في التهيئة لقدوم الإمام الحسين إلى الكوفة، وكان من الذين أظهروا ولاءهم صراحة في وجه ظلم بني أمية، كما ورد اسمه ضمن أصحاب مسلم بن عقيل ، حيث بايع الإمام الحسين في الكوفة وساهم في دعوة الناس له.

في كربلاء: رافق مسلم بن عوسجة الإمام الحسين «عليهما السلام» من مكة إلى كربلاء، وكان أول من برز للقتال من أصحاب الإمام الحسين بعد بدء المعركة، حيث قاتل قتال الأبطال وهو شيخ طاعن في السن، حتى سقط جريحًا، فمرّ به الإمام الحسين وقال له: ”رحمك الله يا مسلم، فَمِنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا“.

وقبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى قال له حبيب بن مظاهر «رضوان الله عليه» وكان من أقرب أصدقائه: ”أبشر بالجنة، يا مسلم، لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك، لأحببت أن توصي إليّ بكل ما أهمّك“، واستُشهد مسلم بن عوسجة «رضوان الله عليه» في أوائل المعركة، قبل الظهر من يوم عاشوراء.

مكانته: يُعتبر مسلم بن عوسجة الأسدي من السابقين في نصرة الإمام الحسين ، وأحد أعمدة الثورة الحسينية، وقد ورد اسمه في زيارة الشهداء، وذكره الإمام الحسين وأصحابه بكل فخر. قال الإمام الصادق في زيارته: ”السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي، القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف: أنحن نخلي عنك، وبماذا نعتذر إلى الله؟!“. كما ورد اسمه الشريف في زيارة الشهداء وزيارة الناحية المقدسة، حيث يقول الإمام المهدي «عجّل الله فرجه» في ذكره: ”السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي، القائل حين أذن له في الانصراف: أنحن نخلي عنك، فبماذا نعتذر إلى الله؟ لا، والله، لا يكون ذلك أبدًا“.

من أعظم مواقفه وأقواله في كربلاء: عندما خيّر الإمام الحسين أصحابه ليلة العاشر من المحرم بالانصراف، وقال لهم: ”إنّي قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعًا في حلّ، ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملًا“، ردّ عليه مسلم بن عوسجة بكلمات خالدة ستبقى نبراسًا للوفاء: ”أفنفارقك وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟! لا والله، لا أفعل ذلك أبدًا، حتى أطعن برمحي، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، لا أفارقك حتى أموت بين يديك“. إنّها كلمات تقطر صدقًا وولاءً وشجاعة، وتدل على عظيم محبته للإمام الحسين ، وإدراكه لحقّ الإمام، وثقته بأنّ المعركة ليست دنيوية بل إلهية.

موقفه عند جراحه الأخيرة: حين سقط مسلم بن عوسجة جريحًا، وذهب إليه الإمام الحسين وحبيب بن مظاهر «عليهما السلام»، اقترب منه حبيب وهو يبكي وقال له: ”عزّ عليّ مصرعك، يا مسلم، أبشر بالجنة“، فأشار إليه مسلم «وقد أثخنته الجراح» وهو لا يستطيع الكلام، مشيرًا إلى الإمام الحسين قائلًا: ”أُوصيك بهذا، قاتل دونه ما استطعت“، أي أنّ وصيته الأخيرة لم تكن لأولاده أو لنفسه، بل لوصية في الدفاع عن الإمام الحسين ، رغم ما هو فيه من أوجاع وسكرات موت.

في ساحة القتال: قاتل مسلم بن عوسجة «رضوان الله عليه» قتال الشجعان، وكان رغم كبر سنّه من أشد المقاتلين، حتى قتل عددًا كبيرًا من جيش عمر بن سعد، وضربوه ضربة شديدة فسقط جريحًا. لم يستشهد على الفور، بل بقي حيًا قليلاً، مما أتاح للإمام الحسين وحبيب «عليهما السلام» أن يزوراه، ويودعاه، ويشهدان آخر لحظاته في الدنيا.

رضي الله عنه وأرضاه، وجعلنا من السائرين على دربه، ورحم الله هذا الشيخ المجاهد البطل، وأسكنه فسيح جناته مع سيده الإمام الحسين .

فسلام على مسلم بن عوسجة الأسدي يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
حسن السيف
4 / 8 / 2025م - 1:57 م
ما أروع ما خطه قلمك أخي محمد فقد أحسنت في تسليط الضوء على شخصية قل من أنصفها تفصيلا في السرد التاريخي. شخصية مسلم بن عوسجة جديرة بالبحث المستفيض وقد أجدت في إبراز جوانبها الإنسانية والجهادية.
2
د. ندى
[ صفوى ]: 4 / 8 / 2025م - 3:31 م
طرح المقال جميل لكنه يعيد ما هو شائع دون الغوص في السياقات السياسية والاجتماعية المحيطة بمسلم بن عوسجة. لعلنا نرى لاحقا قراءة أعمق.
3
جعفر السالم
[ تاروت ]: 4 / 8 / 2025م - 7:38 م
شكرا للأستاذ محمد على هذه السلسلة الثرية التي تعيد للذاكرة أسماء أبطال الطف . ننتظر الحلقة القادمة بشوق.