لو يدري عيسوه…!
لو دَرَى ”عيسوه“، ما شقّق ثيابه، ولا خلّى سالفته في الشوارع.
لكن ”عيسوه“ ما يدري.
و”اللي ما يدري“ يرتاح ويصدق اللي يشوفه هو، لا ما هو عليه صدق.
هناك جارتهم ”أم حسان“ امرأة فاضلة، بلسانٍ حاد، وعينٍ ترى ما خلف الجدران. لم تكن تتدخل في شؤون الناس — كما زعمت — بل كانت تعتبر نفسها ”مرآة الفريق“، تعكس ما يفعله الجميع… حتى لو لم يطلب أحدٌ منها هذا الدور.
في أحد الأيام، ارتفع صوتها وهي تحدّث جارتها:
”شفتوا كيف صار حاله بعد ما طلّق بنت خاله؟! حرام، والله مو وجه نعمة، هذا واحد مو مبين عليه إنه متحسف ولا ندمان! هذا وجه طرب وسفر وهياته… عاد لو تدري المسكينة عفاف، تشقّق ثيابها!“
وهنا دخل على الخطّ جارنا الجديد ”علّام“، رجلٌ طيّب لا يحب المشاكل، لكنه قرر أن ”يتفلسف“ — لأول مرة — وردّ ضاحكًا:
”بس يا أم حسان، يمكن الرجال مبسوط، يمكن الزواج ما نفع معاه، ويمكن لو تدري عفاف بالأسباب، تشيل صورته من الإطار وتقول: الحمد لله اللي فكّني منه!“
رفعت أم حسان حاجبها، وقالت بوقارٍ لا يخلو من إنذار:
”أنا ما أقول إلا اللي أشوفه… والعين ما تكذب!“
مرت أيام، وإذا بخبر جديد يهزّ الفريق: ”عفاف“ — التي شقّت ثيابها ظنًّا — تزوّجت طبيبًا في بلدة أخرى، وتحوّلت صورها في ”الواتساب“ إلى ورد، ومشاوير، وابتسامات نصف مغلقة.
عندها صرخت أم حسان من قلبها:
”لو يدري عيسوه… ما طلّقها!“
ضحك الجميع، وضحك ”علّام“ أكثر، وقال:
”ولو تدري عفاف… كانت أول من زفّ ليه التبريكات!“
هكذا نحن… لا نكاد نفرّق بين الحقيقة والوهم، نحكم على صور ”البروفايل“ لا على الأرواح، وعلى الوجوه التي نراها لا على الهموم التي نخفيها.
كم من ”عيسوه“ في حياتنا يشقّ قميصه على وهم؟
وكم منّا ظنّ نفسه القاضي والشاهد والمحامي، فوزّع التهم جزافًا، ثم تبيّن أن كل ما رآه… لم يكن سوى شاشة مكسورة، وانعكاسًا مغشوشًا؟
لو عرفنا ما في القلوب، لما عبثنا بالتأويلات.
ولو سكتنا قليلًا، لنبتَ في داخلنا شيءٌ اسمه: الإنصاف.
ولأن القصص التي تُروى في البلدات لا تندثر بسهولة ولا تُنسى، صار كل من سمع سالفة ”أم حسان“ و”عفاف“ و”عيسوه“ يردد إذا سمع حكمًا من نصف جملة، أو غمزة من طرف مجلس:
”لو يدري عيسوه… شقق ثيابه على الفاضي!“
لكن الأجمل… حين ندري نحن، فلا نُمزّق أحدًا بتعليق، ولا نُقصي إنسانًا بظن، ولا نحكم إلا بعد أن نغسل أعيننا من الغشاوة، ونغسل قلوبنا من التشفّي.
فالحياة لا تحتمل ”شقوقًا“ إضافية… لا في الثياب، ولا في النوايا.