آخر تحديث: 1 / 8 / 2025م - 11:14 م

النحلة وحكاية وطن

ياسين آل خليل

في وطني حين تحلّق نحلة على سواحل القطيف، فإنها لا تمرّ مرور الكرام. النحلة تُراقَب، تُفهم، وتُحتضَن، لتبدأ بعدها رحلة منسوجة بخيوط الحكمة والرؤية، حيث يتحول ما ظنه البعض مشهدًا عابرًا، إلى مشروع تنمويّ، إلى مصدر دخل، ثم فجأة، إلى إنجاز عالمي يرفع اسم المملكة في محافل التميز.

ما يحدث اليوم في ربوع هذا البلد الغالي، إيمانٌ عميق بأن كل مورد طبيعي وإن صغر، يمكن أن يتحوّل إلى قصة وطنية تُروى بفخر. غابات المانجروف، التي كانت تُقرأ في كتب البيئة، باتت في أيامنا هذه جزءًا من معادلة الاقتصاد الأخضر، والنحل الذي كان يُربّى لأجل العسل، بات اليوم شريكًا في حماية الغطاء النباتي، وسفيرًا بيئيًا، وصوتًا جديدًا لرؤية تنموية متكاملة.

ليس هذا وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية واضحة يحملها الشعب السعودي، الذي لا يرضى إلا أن يكون في المقدمة. نعم، لقد قرر هذا الشعب أن لا يستهلك أرضه، بل يُنمّيها، أن لا يصارع الطبيعة، بل يتناغم معها، أن لا ينتج فقط، بل يُبهر. وهكذا، من خلية نحل صغيرة، خرج عسل نقي، ثم شهادة جودة، ثم تكريم عالمي.. ثم دهشة تُترجم في أعين العالم، عندما يرون كيف يُحوِّل أبناء وبنات هذا الوطن التفاصيل إلى تفوق، وكيف تُنسج من أبسط الموارد أعظم قصص الإنجاز.

اليوم، لم يعد العسل مُنتجًا فقط، بل علامة تجارية للوطن، تختصر في مذاقها روحًا كاملة من التحدي، والابتكار، والاتزان مع البيئة. ويأتي التكريم العالمي، كما فعل النحال خالد الأبيض وغيره، لا ليضيف وسامًا إلى صدر فرد، بل ليؤكد ما نعرفه جميعًا، أن المملكة العربية السعودية، حين تقرر أن تنجح، فإنها لا تكتفي بالنجاح، بل تصنع منه معيارًا يُقاس عليه، وقصة يُقتدى بها، وتجربة يُحكى عنها في كل مكان.

الشعب السعودي، الذي بات يعرف كيف يزرع، ويصبر، ويجني، لم يعد يكتفي بأن يرى وطنه في المقدمة، بل صار يصنع من كل نجاح صغير، نواةً لنجاح أكبر، ومن كل قصة، فصلًا جديدًا في ملحمة وطنية تُثبت يومًا بعد يوم أن من أراد المجد، وجده في ترابه.

وهكذا عندما نروي هذه السردية الشيقة من واقع الحياة على ضفاف خليج تاروت، نحن لا نتحدث عن إنتاج عسل وكفى، بل عن وطن يكتب تاريخه بالعقل والحكمة، ويقدّم نفسه للعالم كدليل حيّ على أن التنمية حين تتكئ على إنسان الأرض فإنها لا تُثمر فقط، بل تُبهر.