الكتابة.. هل من جدوى؟
بين الفينة والأخرى تطرح فكرة جدوى الكتابة بمختلف صنوفها وأغراضها من ناحية انتشارها في الزمن الرقمي، ومن ناحية تأثيرها في القارئ في ظل تعدد الخيارات وطغيان الصورة والصورة المتحركة.
فالكتابة التي عُدت فتحًا عظيمًا في مجال توثيق المسيرة الإنسانية، وناقوسًا يدق في عالم النسيان في التاريخ منذ آلاف السنين، يهتز عرشها في السنوات الأخيرة مع طرح وريث لها أو ورثة من العالم الرقمي يبدون أكثر إغراءً وجاذبية. فهل تمتلك الكتابة الأهلية للاستمرار والتأثير في الناس؟ وهل يستمر الكتّاب في كتاباتهم؟
الكتابة التي طالما ساهمت في بناء وتأصيل القيم الإنسانية، وتقبيح القبيح وتحسين الحسن من سلوكيات البشر، هناك جانبان يؤثران فيها؛ هما الكاتب والمتلقي. فبعض الكتاب يكتب لكي ينشر، وبعضهم لكي يعيش، وآخرون لكي يحققوا الثراء من كتاباتهم. لكنَّ هناك كتابًا يكتبون لا لأن لهم قراء فقط، بل لوجود دوافع داخلية تدفعهم للكتابة، تمامًا كرغبة متحدث في الكلام حتى إن لم يكن هناك منصت له.
أما الجانب الثاني من الكتابة فهو المتلقي، وهو هنا القارئ الذي تعرض لتغير في مزاجه، خاصة الجيل الجديد الذي أصبح يفضل الكتابات المختصرة والقصيرة، ويعزف عن الكتابات المطولة التي تتطلب تركيزًا كبيرًا مثل أمهات الكتب في مختلف الحقول المعرفية. كما أن هذا الجيل أصبح يميل نحو المعارف السمعية أو التصويرية القصيرة المدة والتي يعتمد أكثرها على السرعة والإبهار البصري. ورغم أهمية وجمال هذه المعارف فلا يمكن أن تغني عن الكتب التي تؤسس للخلفية الثقافية لأي شاب.
وهنا حتى لو كان لدينا أفضل الكُتاب الذين يأخذون بألباب القراء فما قيمتهم حين لا يجدون لهم قراء؟ هل يستمرون في الكتابة أم يتوقفون؟
يتوقف بعض الكتاب عن الكتابة لعدة أسباب؛ منها خشيتهم من الوقوع في فخ التكرار، أو بسبب جمود أدواتهم الكتابية وعدم تجديدها، أو شعورهم بعدم وجود أي جديد لديهم. في حين نلحظ استمرار البعض في الكتابة رغم عدم وجود مستقبلين لهم، لا لشيء إلا لأنهم اعتادوا عليها وكأنها محاولة للخلود ومقاومة للموت، كما عبر عنها الكاتب الإسباني كارلوس زافون حين سأله أبوه عن سبب توجهه للكتابة فقال: ما أردته هو البقاء على قيد الحياة يومًا بعد يوم.
وهناك من يستمر في الكتابة لأنه يعدها ضرورة نفسية وعقلية غامضة، كما قال عنها برهان شاوي. وأطرف ما قيل في ذلك هو ما قالته الكاتبة فضيلة الفاروق: ”الكاتب هنا مثل الزواج التقليدي المنتهي الصلاحية، لكنّه مستمرٌّ من أجل إرضاء الناس“.
وعلى كل فإن الأعمال الأدبية التي تقدم بشكل أدبي جيد وتتماشى مع روح العصر ومزاج الجيل الجديد تجد لها من يستقبلها ويقرؤها حتى من الجيل الجديد الذي يتهمه الجميع بأنه لا يقرأ الأعمال الأدبية. ولنا في أعمال الروائي السعودي أسامة المسلم خير دليل على إقبال الشباب على قراءة الأعمال الروائية حتى لو كانت طويلة حينما تكتب وتصاغ بأسلوب عصري مبتكر بعيدًا عن المصطلحات الصعبة التي ينفر منها جيل اليوم.