غزة دائماً في الواجهة
نقترب بعد أقل من ثلاثة أشهر منذ الآن، على نهاية السنة الثانية، لاندلاع ما بات معروفاً، بطوفان الأقصى، حيث أقدمت حركة حماس، مدعومة بفصائل فلسطينية أخرى، على تنفيذ عملية كبرى في محيط غلاف قطاع غزة. وقد كانت العملية، مفاجئة بكل المقاييس، للأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
اعتبرت تلك العملية من قبل الكثير من المحللين السياسيين، والمتابعين للشأن الفلسطيني، عملية استثنائية.
في الأيام الأولى لتلك العملية، شهد العالم الغربي، المناصر بطبيعته لإسرائيل، مواقف متعاطفة مع إسرائيل، عبّر عنها قدوم الرئيس الأمريكي، جو بايدن إلى تل أبيب وعناقه الحار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وليتبع ذلك مواكب أخرى، من زعامات الدول الغربية، من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا، وعدد آخر من دول العالم، معبرة عن تضامنها مع إسرائيل.
غيبت تلك المواقف، حقيقة أن قطاع غزة، كما الضفة الغربية والقدس الشرقية، هي أراض محتلة، بموجب القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن، وبشكل خاص القراران 242,338 واللذان نص مضمونهما على عدم جواز احتلال الأراضي بالقوة المسلحة، وطالب القراران بانسحاب إسرائيل منهما، ضماناً للأمن والسلم الدوليين.
والواقع أن الموقف الدولي، تجاه القضية الفلسطينية، قد بدأ يتغير لصالح قيام دولة فلسطينية، منذ منتصف السبعينات من القرن المنصرم، أثناء تسلم جيمي كارتر سدة الرئاسة الأمريكية، حيث التقى حينها مع السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي، ليونيد بريجينف، وأصدرا بياناً أكدا فيه أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة، على الأراضي التي احتلتها إسرائيل، في حرب حزيران/ يونيو 1967
في الأمم المتحدة، وفي اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة، جرى تبني القرار 242، الذي هو في الأصل مسودة بريطانية، أعدها المندوب البريطاني في الأمم المتحدة، اللورد كرادون، نصت على انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، من جميع الأراضي التي تم احتلالها في حرب حزيران/يونيو.
يَذكر محمود رياض، وزير الخارجية المصرية أثناء تلك الفترة، أن مندوبَي الهند ويوغوسلافيا، وجها سؤالاً مباشراً، لوزير الخارجية البريطاني، كرادون، عن مضمون القرار 242، المقترح من قبله، وهل يتضمن انسحاباً إسرائيلياً شاملاً من الأراضي التي تم احتلالها في حرب حزيران، بما فيها سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، فأكد جوابه على ذلك.
وعلى أساس قرارات الأمم المتحدة، وقعت اتفاقية أوسلو، بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية اسحق رابين، وجرى تبنيها ورعايتها من قبل الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، حيث جرت المصادقة عليها بالمقر الرئاسي بالبيت الأبيض، في واشنطن.
ما يجري الآن من حرب إبادة، في قطاع غزة، ذهب ضحيتها ما ينوف على الستين ألفاً، جلهم من المدنيين، أطفالاً ونساء وشيوخاً، وأربعة أضعاف هذا العدد، من الجرحى، عدا المفقودين، هو جريمة أخلاقية بكل المقاييس، وهو تحد للقانون الدولي وشرعة الأمم. علاوة على ذلك، فإنه يتناقض بالمطلق مع القرارات الأممية الكثيرة، الصادرة عن مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، التي نصت على أن قطاع غزة، هو أرض محتلة، كفل القانون الدولي حق أهلها في مقاومة الاحتلال، بكل الوسائل والسبل، اتساقاً مع حق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير.
إن ما يجري من سياسة تجويع وتعطيش لأهلنا في غزة، هو عمل غير أخلاقي، مدان ومرفوض من قوانين الأرض وشرعة السماء. ومسؤولية التصدي له، هي بالدرجة الأولى مسؤولية إنسانية، قبل أن تكون عربية، وإسلامية. ومسؤولية التصدي لسياسة إسرائيل الفاشية، هي مسؤولية العرب جميعاً، حكاماً ومحكومين. وفي المقدمة، يجب أن تتصدى لحرب الإبادة جامعة الدول العربية، اتساقاً مع أدوار سابقة أدتها في الصراعات العربية - العربية.
ليس من المقبول، أن يقف العالم بأسره، وفي القلب منه أطراف معتبرة بالولايات المتحدة الأمريكية، ضد سياسة التجويع التي يمارسها الكيان الإسرائيلي، بحق أهلنا في غزة، ونقف نحن عاجزين عن فعل أي شيء.
في الكونغرس الأمريكي، دان بيرني ساندرز، ومجموعة من نواب الكونغرس بقيادة رشيدة طليب، سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل، وآخرون، وجهوا رسالة تطالب بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية، التي تحد من تدفق المساعدات الأمريكية، مذكرين بالقوانين الفيدرالية التي تمنع تقديم مساعدات أمنية، إذا تم تعطيل المساعدات الإنسانية.
هذا وقد تناولنا في مقالات سابقة، موقف محكمة العدل الدولية، للجرائم التي ترتكبها إسرائيل، بحق المدنيين، وتهديد محكمة الجنايات الدولية، بإلقاء القبض على رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير الدفاع، وعدد آخر من المسؤولين الإسرائيليين.
إن موقفاً دولياً، مسانداً لقيام دولة فلسطينية مستقلة، بدأ يتصاعد. وقد شمل هذا الموقف دولاً كانت حتى وقت قريب تؤيد المواقف الإسرائيلية. فقد عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن تأييده لقيام دولة فلسطينية. وبالمثل وقفت دول أخرى، ضمنها روسيا والصين مؤيدة، من دون أي تحفظ لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
المهم الآن، ولتفويت الفرصة على أية ذرائع، ينبغي أن يعمل الفلسطينيون على تحقيق وحدتهم، بأسرع ما يمكن. ولن يتحقق ذلك إلا بالعزيمة الصادقة والنوايا الحسنة، واللجوء إلى صناديق الاقتراع، في الضفة الغربية ومدينة القدس وقطاع غزة، لتكون الحكم بين الجميع.
وفي هذه الأثناء ينبغي أن يتواصل العمل لإيقاف حرب الإبادة، وسياسة التجويع والتعطيش التي يتعرض لها الفلسطينيون، بالأراضي المحتلة.