قانون ”العبقري“ للعملات المستقرة والريال السعودي
الإجابة القصيرة وبكلمة: نعم. ولعلنا في المملكة نسعى حثيثاً لتوظيف العملات المستقرة في التعاملات الخدمية بما يعزز التنافسية ويسهل على المستهلكين، وابتدأ في أنشطة محددة مثل الحج والعمرة والسياحة وحتى التحويلات المالية الدولية بما في ذلك تحويلات الوافدين وسداد الطلبات للتجارة الإلكترونية عبر الحدود بما في ذلك المشتريات الشخصية من منصات مثل أمازون أو أشباهها، وذلك إجمالاً من خلال إصدار عملة مستقرة مرتبطة بالريال السعودي وتدار من قبل البنك المركزي، فذلك سيخفف من تكاليف البائع والمشتري على حدٍ سواء وسيحد من تكاليف وسطاء تحويل الأموال. فضلاً عن أن في ذلك اتساقاً مع ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، أخذاً في الاعتبار أن سوق العملات المستقرة المرتبطة بالدولار هو إلى انتعاش، فيكون للريال السعودي حصة من المكاسب.
وقبل الاسترسال ينبغي بيان أنه قبل ست سنوات «يوليو 2019» هاجم الرئيس الأمريكي الحالي ترامب العملات المشفرة هجوماً عنيفاً بأنها ”تقوم على لا شيء“، لكن الأمر تغير إلى الضد بعد أن تولى زمام الأمور قبل حوالي ستة أشهر، فقانون العبقري «Genius Act» الذي وقعه الرئيس ترامب قبل أيام، يعد أهم قرار إيجابي يتخذه الرئيس منذ توليه بداية هذا العام، فالمناوشات والمماحكات مع الدول حول الرسوم الجمركية ليست أكثر من جهد تفاوضي لخفض العجز التجاري المزمن عبر وضع معوقات مالية وغير مالية للحد من الواردات إلى أمريكا وعلى العكس من ذلك تقديم تسهيلات لاستقطاب الاستثمارات للداخل الأمريكي بما يعيد العنفوان لقطاع التصنيع «manufacturing». ويبدو أنه حقق نتائج ملموسة خلال النصف الأول من العام حيث أن إيرادات الرسوم الجمركية ارتفعت إلى مستويات تاريخية فيما انخفض العجز في الميزان التجاري.
نعود لقانون ”العبقري“، الذي نفذ الرئيس ترامب من خلاله أحد وعوده الانتخابية، والقانون ليس أكثر من أداة تنظيمية للعملات المستقرة، وهي عملات مرتبطة بأصول مستقرة مثل العملات الصادرة عن البنوك المركزية، وهي بذلك تحد من مخاطر إصدار عملات مشفرة ”منفلتة“ التنظيم. ولا جدل بأن إصدار القانون هو ”ضربة معلم“، وأن الإطار الذي ستصممه واللوائح التي ستسبكها الجهات التنظيمية الأمريكية ستكون مرجعاً تستل منه بقية الجهات المنظمة للتعاملات المالية في العالم.
وليس محل شك، أن القانون جعل الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الركب بلا منازع في سوق عملات مستقرة يقدر قوامها بنحو 270 مليار دولار، وتمثل نحو 7 بالمائة من سوق العملات المشفرة «3.9 ترليون دولار». وفي حين أن القانون يسعى لتعزيز مكانة الدولار الأمريكي عالمياً باشتراطه أن تكون العملات المستقرة مرابطة بالدولار الأمريكي أو سندات الخزانة الأمريكية، فالمتوقع أن تسارع الكيانات الاقتصادية الأخرى، ولا سيما تلك التي تستخدم عملاتها كاحتياطيات مثل الاتحاد الأوربي واليابان إلى إصدار تشريعات لتنظيم العملات المستقرة المرتبطة بعملاتها الصادرة عن بنوكها المركزية.
ولن يكون بوسع أي من البنوك المركزية في العالم تجاهل قانون ”العبقري“ طويلاً؛ إذ أن التعامل بالعملات المستقرة له مزايا جوهرية، فهي توفر خدمات ذات أثر في خفض تكلفة التبادل التجاري، وتحديداً السداد، فمثلاً في حين أن تكلفة الصفقة باستخدام بطاقات الائتمان متوسطها 2 بالمائة يتحملها البائع فإن التكلفة في حال السداد بالعملات المستقرة ستكون سنتات قليلة، مما يعني أن العملات المستقرة في حال تنظيمها ستكون منافساً لا يبارى للأنماط السائدة حالياً للدفع، مثل بطاقات الائتمان ووسطاء تحويل الأموال مثل ”وستين يونيون“ على سبيل المثال لا الحصر.
ولا يمكن تجاوز أن صدور قانون ”العبقري“ سيشكل مصدر ضغط هائل على الاتحاد الأوربي للمسارعة لتوفير أدوات دفع تساند العملات المستقرة حتى لا تتصدر الأدوات الأمريكية المشهد كما حدث مع بطاقات الائتمان الأمريكية ”فيزا“ و”ماستر كارد“ و”أمريكان إكسبرس“ التي تسيطر على نحو 90 بالمائة من سوق بطاقات الائتمان العالمية. وصدور القانون يوفر فرصة للدول لمجاراة الابتكارات في مجال الدفع والسداد والتي تعتمد على الرقمنة، فالعالم يعيش في خضم تحولٍ رقمي في كل نواحي حياتهِ.