قد يكون الغيب حلوا… إنما الحاضر أحلى
نُربّى على انتظار الغد. نُعلّق على الغيب كل أحلامنا المؤجلة، ونُخبئ في المجهول رجاءنا بأن يكون أجمل مما نعيشه الآن.
”سيأتي الفرج“، ”القادم أفضل“، ”يوماً ما سيكون كل شيء بخير“.. عبارات عذبة، نُسند بها ظهورنا حين يُثقلها الحاضر، ونتنفس بها حين يضيق بنا اليوم.
لكننا في خضم هذا التطلّع المستمر، قد نغفل عن جمالٍ فريد، لا يتكرر ولا يُستعاد: جمال اللحظة.
نُؤجل الضحك حتى تهدأ العاصفة.
نُعلّق السعادة على خبرٍ لم يصل بعد، أو على شخصٍ لم يأتِ، أو على حدثٍ مؤجل.
حتى بتنا نعيش دائمًا في «سوف» و«ربما» و«حينما»... ونُفلت من بين أيدينا هبة اللحظة.
نعم، الغيب قد يكون حلوًا.
قد يأتينا بما يُفرحنا، ويُشفي كسرنا، ويُدهشنا بجمال لا يخطر على بال.
لكن الحاضر أيضًا حلو، إذا فتحنا أعيننا عليه.
الحاضر ليس دومًا كاملاً، لكنه واقعيّ، ملموس، حيّ.
هو نَفَس الصباح، ودفء فنجان القهوة، وابتسامة طفل، ولمسة صديقة، وسطرٌ كتبناه بإخلاص.
هو قدرتنا على النهوض رغم التعب، وعلى حبّ أنفسنا رغم العيوب، وعلى السعي رغم تأخّر النتائج.
حين نُحب الحاضر، لا نُصغّر من شأن الأمل، بل نُوسّعه.
نقول لأنفسنا: أنا أستحق الفرح الآن، لا فقط لاحقًا.
أنا أخلق لحظتي، لا أنتظرها تهبط من غيم الغيب.
الحاضر، رغم قسوته أحيانًا، أكثر أمانًا من وهمٍ لم يُكتب بعد.
هو الحقيقة التي يمكننا أن نغزل منها دفئنا، وأن نلوّنها بقرارات صغيرة، تغير مذاق العمر.
فلنُحسن الظن بالغيب، نعم…
لكن لا نُهمل العيش في جمال اللحظة، ففيها تتشكل ذاكرتنا، وتتخلق هويتنا، ويتجلى تقديرنا لنعمة الحياة.
قد يكون الغيب حلوا… إنما الحاضر أحلى، لأنه بين أيدينا، ونحن شهوده.