آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

بقلوب خضراء.. متطوعو سيهات يحيون المانجروف في يومها العالمي

عميد أبو المكارم *

في يوم عبقت فيه رائحة البحر، وتمايلت فيه أشجار المانجروف بهدوء كما لو كانت ترحب بالضيوف، اجتمع العشرات على ساحل سيهات، لا ليحتفلوا، بل ليؤدّوا واجبًا بيئيًا، يحمونه بأيديهم، وبقلوبهم المملوءة إيمانًا بأن كل شاطئ نظيف هو حياة جديدة لبحرٍ يتنفس.

كانت المناسبة أكثر من مجرد حملة، إنها ”سواحل خضراء“، مبادرة بيئية انطلقت في 26 يوليو 2025، متزامنة مع اليوم الدولي لحفظ النظام الإيكولوجي لغابات المانجروف، تلك الشجرة الصامدة التي تحرس السواحل وتمنح الطبيعة قوتها الخضراء.

ورغم حرارة الصيف وارتفاع نسبة الرطوبة، لم يمنع ذلك المتطوعين من الحضور، شبابًا وشابات، عائلات وأفرادًا، يعملون بصمت، ويجمعون النفايات من بين الصخور والرمال، كأنهم يزيلون عن البحر ما علق به من أذى أعداء البيئة.

الحدث: تنظيف لا زراعة.. لكنها زراعة لقيم عظيمة

لم نزرع الأشجار في هذا اليوم، بل زرعنا قيمًا وتركنا أثرًا، وغرسنا رسائل في عقول المشاركين والمارّين: ”البيئة أمانة، والبحر ليس سلة مهملات“. تحرك الجميع بجدّية، يحملون الأكياس، يفرزون البلاستيك، يلتقطون الزجاجات المهملة، ويتبادلون الكلمات حول فوائد المانجروف، ما جعل هذه الحملة أكثر تأثيرًا هو التكاتف الملفت بين الجهات الحكومية والمجتمعية، سأذكر منها ما تجود به ذاكرتي، وإن سقطت بعض الأسماء فسيبقى أثر عملهم في قلوب جميع محبي بيئتنا الخضراء:

• بلدية محافظة القطيف كانت في قلب التنظيم، تتابع وتدعم وتوجّه، وتضع بصمتها اللوجستية لضمان نجاح الفعالية.

• المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر حضر بخبرائه، يقدمون إرشادات حول أهمية بيئة المانجروف، وخطر التلوث عليها.

• وزارة البيئة والمياه والزراعة: كانت حاضرة بحرصها، وبدعمها المباشر وغير المباشر عبر الجهات التابعة لها، مؤكدةً على أهمية حماية سواحلنا وبيئة المانجروف. ساهمت الوزارة في تعزيز العمل التوعوي، وربط هذه المبادرة بالسياسات الوطنية للاستدامة البيئية، ومتابعة جودة التنفيذ البيئي وفق رؤيتها الشاملة لحماية النظم الساحلية.

• جمعية أصدقاء البيئة تولت الجانب التوعوي، بجلسات حوارية سريعة مع المتطوعين حول سلوكيات بسيطة تصنع فارقًا كبيرًا.

• حرس الحدود لم يكن فقط عونًا أمنيًا، بل شريكًا في الحماية البيئية، حيث ساهموا في ضبط المناطق وتأمينها بشكل آمن وسلس.

• نحالون محليون شاركوا برسائلهم الهادئة والعميقة، موضحين كيف أن نفايات البحر قد تقتل حتى حياة النحل على اليابسة.

• ونادي الخليج الرياضي، راعي الفعالية، قدّم كل الدعم اللوجستي وحرّك قلوب الشباب نحو سلوك جديد: البيئة ملعبنا الأكبر.

رسالة كتبتها الموجة الأخيرة

ومع نهاية اليوم، وقبل أن تغرب الشمس على وجوه المتطوعين المملوءة بابتسامة التعب، علت رسالة واضحة من البحر:

”لا ترمِ ما لا تود أن يعود إليك. النفايات التي تُلقى في البحر اليوم، تعود إلينا على هيئة أزمة بيئية غدًا.“

المانجروف لا يحتاج فقط للزراعة، بل للحماية من التلوث، للمحافظة على توازنه الذي يحفظ أمن السواحل، وثروات البحر، وحتى هواءنا النقي.

نهاية.. لكن ليست النهاية

مبادرة ”سواحل خضراء“ لم تكن فعالية وانتهت، بل كانت نبضًا بيئيًا حيًا، أعادت الوعي للمكان، وربطت الإنسان ببيئته، لا كزائر مؤقت، بل كحارسٍ دائم.

وغدًا، حين تمر على هذا الساحل، لن ترى فقط نظافة الرمال، بل ستشعر بصدى الأقدام التي مشت هنا، تُزيل الأذى وتزرع في البحر شكرًا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
عبدالله آل سلمان
[ القطيف ]: 27 / 7 / 2025م - 12:33 م
شكرا لكل من وقف على هذا الشاطئ وشكرا لكاتبنا الذي نقل الحدث بروح جميلة لا تقل عن جمال المانجروف
2
كوثر
27 / 7 / 2025م - 3:02 م
الطرح أكثر من رائع لكنه ولكن عندي سؤال وهو هل هناك خطة لاستدامة هذه المبادرات؟ أم أننا ننتظر اليوم العالمي فقط لنتحرك؟