آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

البصيرة.. تصحيح النظر الفكري «2»

المهندس أمير الصالح *

الخلاصة

الفضول نوعان: الفضول قد يكون نعمة وقد يكون نقمة على صاحبه. لنتذكر بأنّ الفضول القاتل وبراءة التفاعل بمواقع التواصل الاجتماعي في وقت الفراغ قد ينتهي بالشخص إلى الانحراف وبالبعض إلى الانجراف وبالبعض إلى اكتساب الشذوذ والعياذ بالله، والأقسى منه أنه قد يؤدي بالبعض إلى الانتحار. في المقابل فإن الفضول المعرفي الفاعل يزيد لصاحبه من جذوة الجدية في التحصيل الثقافي عبر مواقع الإنترنت الموثوقة، وقد يجعل من الشخص أنْ أحسن توظيف فضوله مهنيًا محترفًا ومميزًا وموسوعيًا ومحل احترام الجميع.

تمهيد

في الماضي، كانت مجتمعاتنا بالأغلب مكوّنة من بدو رحل ومزارعين وصُناع. كان الهم الأكبر لدى كل تلكم المكونات البشرية حينذاك هو تأمين لقمة عيش كريمة وصيانة الانتماء وحفظ الهوية. مع تفجر مردود الثروات الطبيعية ماليًا وتكون منظومة الدولة بالشكل الحديث، بدأت التركيبة الاجتماعية تتمايز فيما بينها بين إقطاعي عقاري وإقطاعي صناعي وإقطاعي تجاري وموظفين وكسّابين. مع توفر الخيرات وتناثر النِعم وإحراز أوقات أكبر للراحة والاستمتاع، زاد معدل الاستهلاك وكسر حاجز القناعة، واستطال عنق الفضول لدى شرائح مختلفة من أبناء المجتمع حتى حد إدمان التقسيط في شراء أتفه الأمور. لك أن تتخيل كوب قهوة الصباح بالتقسيط!!؛ أنصح بمشاهدة حلقة فخ التقسيط كما هي بالرابط التالي

وقِرَاءة ملخص كتاب The Big Short. وكانت قنوات الإعلام حينذاك هي التلفزيون والراديو كمدخل للتعرف على العالم، وأضحى لاحقًا الشبكة العنكبوتية ««الإنترنت»» ثم تطبيقات السوشل ميديا المختلفة هي البحر ولا يعلم أين سيسير البشر بعد ذلك في نسج سلوكهم.

النقاش

لا شك أن هناك مجاميع علمية صناعية وشركات تجارية دولية ودولية عالمية ممن يستخدمون الذكاء الصناعي والبحث التقني وعلوم سيكولوجية الإنسان، ومحفزات إفراز هرمونات الجسم البشري بشكل مفرط للسيطرة على البشر، واستنزاف مواردهم والسيطرة على عقولهم وسلوكهم ومشاعرهم وقناعاتهم. ومن الحكمة بمكان التعرف على أدوات الزمان وآليات عملها لقطف ثمار المعرفة والعلم بما يجلب المصلحة ويدفع الضرر: «العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس / الإمام الصادق».

آلية عمل الخوارزميات في تطبيقات التواصل ومنصات البحث في الإنترنت

عندما يتصفح أي شخص مواقع وتطبيقات السوشل ميديا في الإنترنت سواء فيس بوك أو إنستجرام أو TikTok أو تويتر وأخواتها، فإن الخوارزميات البرمجية مُعَدَّة سلفًا لرصد كل تصفحات المتصفح والمواقع التي يزورها واهتماماته بهدف جذبه، ومن ثم إغراقه بكمٍّ هائل من المقاطع والروابط لجعله مستهلكًا للنتّ وللبضائع والإيديولوجيات التي يروج لها الآخرون؛ والتي مهمتها الرئيسية أن تستنزف وقت المتصفح في الإنترنت لاستحصال مكاسب مالية بالدرجة الأولى، ومكاسب أخرى من ضمنها اختطاف الهوية وزرع أنماط سلوك معينة. وأيضًا تعمل الخوارزميات في الحواسيب على رمي طُعمٍ بين الحين والآخر عبر صور خادشة للحياء أو مقاطع فيديو قصيرة لإثارة الغريزة الجنسية، وزرع الفضول الجنسي البهيمي لدى الشخص المتصفح. وفي ذات الوقت تقوم الخوارزميات باستدراج المتصفح لأكبر قدر من إثارة المتعة البصرية والصوتية عبر مقاطع إباحية تدر المزيد من هرمون الدوبامين المغذي للشعور بالسعادة والمتعة. عناوين مثل: «الحق قبل أن يحذفوا المقطع» أو «لن تصدق ما سترى»، أو مقاطع مسربة ومثيرة للجدل… هذه التلميحات بعناوين جذابة ومختلفة في عالم السوشل ميديا وصفحات الإنترنت أدّت وتؤدي دورها في استدراج ضحايا الفكر وقليلي التجارب والسذج والطيبين، لاسيما الشباب والفتيات للمزيد من الانغماس لإرواء الفضول، وقد يصل بهم الأمر يومًا ما حد الإدمان. والعكس صحيح: يحدث لمن يحسن توظيف فضوله المعرفي عند البحث في المعارف والعلوم البشرية والطبيعية والأخلاقية والإدارية والثقافة المالية إلى حد الاستمتاع بزيادة مساحة الوعي والرشاد.

آلية عمل الإدمان لدى الإنسان

أبحاث علمية وطبية كثيرة سلّطت الضوء على آلية تنشيط وعمل هرمون المتعة/السعادة في المخ: الدوبامين «Dopamine» عبر مفرزات ومستقبلات خلوية عصبية في المخ. يعمد البعض إلى تخصيب أسباب استمرار إفراز الهرمون عبر تناول/ مشاهدة/ ممارسة المزيد من محفزات إفراز الدوبامين، ما يخلق لهم المتعة أو المزيد منها. وارتفاع تركيز الدوبامين يجعل الإنسان المستهلك لذلك الشيء يريد المزيد والمزيد منه، سواء خيرًا كان أو شرًّا. وعلميًا يُقال إن مخدر الميتافون لديه إمكانية حجز هرمون الدوبامين المفرز في الفراغ بين خلايا عصبية معينة لإطالة أمد الشعور بالمتعة والسعادة. وهذا الأمر يحفز صاحبه على تناول المزيد من المخدرات لإطالة فترة المتعة ونشوة اللذة كما هو يظن. والشيء نفسه يحدث لمن يصل حد الهوس في مشاهدات مطوّلة لمشاهد مخلة بالآداب والعفة والعياذ بالله. وهذا مشروح في اليوتيوب التالي:

ولعل حلقة من حلقات برنامج «القصة وما فيها» والتي تناولت موضوع إدمان مشاهدة المقاطع كافية لمعرفة أمور من الحكمة تدارسها ومعالجتها بحكمة وعقل ورزانة:

حلول

كل سلوك بشري، سواء كان جيدًا أو سيئًا، يبدأ بتربية النفس وتهذيبها وترويضها. بذل الجهد بأن يؤدي كل شخص حقوق أعضاء جسده كما جاء في رسالة الحقوق المروية بلسان الإمام علي بن الحُسين ، واستحضار توجيهات الله ورسوله الكريم في صيانة النفس عن الهوى … ومن ذلك: «إعلم رحمك الله، … وأما حق بصرك … فغَضّْهُ عمّا لا يحلّ لك، وترك ابتذاله إلّا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً، فإنّ البصر باب الاعتبار» [رسالة الحقوق - الإمام زين العابدين ].

ختامًا

لم ولن يجد الإنسان أحدًا يحبه كآبائه وأجداده، ومن المروي أن أبا هذه الأمة هما النبي محمد والإمام علي. ومن المهم أن يفهم ويعي الإنسان إرشادات النبي الكريم محمد ﷺ وحكم الإمام علي ، وأنصح بقراءة مجموعة منتخبة من الكتب، منها رسالة الحقوق للإمام زين العابدين، لتكون لديه خارطة طريق لنجاة من مهالك المغريات والشهوات والانحرافات والخرافات.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
كوثر علي
[ القطيف ]: 26 / 7 / 2025م - 6:06 م
المقال مهم لكل أب وأم يحاولون فهم كيف تضيع أولادهم دون وعي. شكرا استاذ امير
2
ليلى عبدالمحسن
26 / 7 / 2025م - 8:57 م
المقال ممتاز لكن تمنيت يكون فيه توجيه أكثر واقعية ومبسطة للمراهقين لأن الخطاب الآن يناسب الناضجين والمهتمين فعلا بالإصلاح.