آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

الحياة الهادفة من منظور الإمام السجاد (ع) «3»

ورد عن الإمام السجاد : «أيها الناس أحذّركم الدنيا وما فيها..» [بلاغة الإمام السجاد للحائري ص 29].

رؤية واقعية وتكاملية يقدّمها لنا الإمام تعرّفنا بعلاقة الإنسان بالوجود والدور الوظيفي اللائق بسماته العقلية التي تميّزه وتعلي شأنه، فمتى ما انحرف عن جادة العقل الواعي واستحكمت الأهواء والجهالة والحياة الغريزية به انسلخ عن الإنسانية ذات القيم النبيلة، فمعلم مهم لحياة الإنسان المكرم وهي الحياة الهادفة التي تسير خلف العقل الواعي وتضبط إيقاع خطواته وتصوراته وفق نضج في التفكير واتزان في السلوك والتصرفات، وهذا يعني قوة وصلابة في الإرادة عند انخراطه في ميادين العمل الحياتية لتحقيق مبتغياته، وامتلاكه لإرادة ممانعة في مواجهة إغراء الشهوات دون إغراق فيها ينتج عنه ميلا نحو الاحتياجات المادية، وقبل أن ينخرط الإنسان في الميادين الحياتية يحتاج إلى معرفة مسبّقة «خريطة طريق» تبين له الأهداف والمخاطر، ولن يجد كنزا معرفيا ثمينا كهذه التحفة السجادية، والتي تحمل رؤية واضحة للحاضر والمستقبل مع الاستفادة من تجارب الماضين وما وقعوا فيه من أخطاء، والأمر «زينة الدنيا ومغرياتها» ليس بالسهل الحذر منها فهي تظهر بصور خداعة وعند منعطفات تتقلّب فيها النفوس وتتبدل الأفكار والتصورات بعد أن تقع ضحية الوسوسة الشيطانية، وهذا التحذير من الدنيا يحمل في طياته مبدأ تحمل مسئولية الكلمة والموقف واعتماده كمبدأ بعيدا عن الإسفاف والإغراق في فوضى الفراغ واللا مبالاة بالنتائج وعواقب الأمور، فهناك عقبات وعراقيل ومنزلقات تعد كمحطات اختبار للإنسان يُنظر إليه بعدها كشخص حذر وفطن استطاع تجاوزها بدون خسائر، أو أنه وقع ضحية اغتراره بنفسه وعمى بصيرته عن الحقائق لتلاقيه الدنيا بعدها بضحكاتها الشامتة.

الرؤية الدينية - كما يفصح عنها الإمام السجاد هنا - لا تختلف أبدا عن الرؤية العقلية للإنسان المكوّن من جانب روحي ومادي ولكل واحد منهما حاجاته المطلوب تلبيتها، ولكن ينبغي التعامل مع الأمور الحياتية بحذر وانتباه لمحطات تحمل الزيف والخداع لئلا ينساق خلفها كالأعمى، فليقدّم الفرد قبل الإقدام على أي خطوة أو كلمة وعيه ونظرته المتأنية لمسارها واحتمالات نتائجها ومدى تأثيرها، فحركة الإنسان بين الإقدام والإحجام عن خطوة معينة هو نتاج ما اعتصره عقله من معطيات ونتائج وفق نظام الاحتمالات، وكم من إنسان وقع ضحية جريه الأعمى خلف غرائزه دون حدود ليتلبّس مواصفات الصفات الرذيلة التي اكتسبها دون وعي أو انتباه كالبخل والجشع والحسد والتلوّن الاجتماعي وغيرها، إذ أن البعض يبني علاقاته الاجتماعية - من منطلق دنيوي - على مبدأ الانتهازية والنفعية وتحصيل المكاسب بأي طريقة ووسيلة كانت.

الحياة السعيدة هي ما يرتبط بعالم المستقبل الأخروي وما يعده الفرد لنفسه يومئذ من مصير يرتبط بما قدّمه في عالم الدنيا من أعمال ومواقف، فالتحذير من الدنيا وذمّ متاعها الزائل يتعلّق بحالة التخريب لذلك اليوم العظيم وعدم الاستعداد له، فحب الدنيا بنحو سلبي هو السبب في تحوّل البعض إلى أدوات للشهوات والأهواء لتحوّلهم إلى أبدان بلا أرواح، فهنيئا لمن اهتم ببنائه الداخلي ليرتقي بروحه بعد أن عمل على تهذيبها.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
فاطمة المحسن
[ تاروت ]: 26 / 7 / 2025م - 4:31 م
المقال حافل بالمضامين الأخلاقية لكن أعجبني أنك لم تقع في فخ الزهد السلبي بل أكدت أن الحياة الهادفة لا تعني الانسحاب من الواقع.