آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

العلم كأداة للتنمية

أمير بوخمسين

أصبح العلم هو القاعدة التي تُبنى عليها الأمم، وهو السلاح المتجدّد الذي لا ينفد. إن أعظم قوّةً يمكن أن تمتلكها أمة هي قوة العقل، قوةً لا تُرى لكنها تحدث الفرق في كل شيء، في الاستقلال والقرار وفي الإنتاج. وكل دولة تجعل من التعليم والبحث أولوية تضمن لنفسها مكانًا في المستقبل.

في هذا العالم المتسارع أصبحت الدول العظمى تُقاس بمستوى جامعاتها، وعدد براءات اختراعها، ونسبة الباحثين فيها. إن من يمتلك المعرفة، يمتلك أدوات الهيمنة، ويفرض شروطه من مصدر قوّة وتقدّم. فكوريا الجنوبية استثمرت بشكل كبير في التعليم والتكنولوجيا، مما ساهم في تحولها إلى واحدة من الاقتصادات الرائدة في العالم. سنغافورة اعتمدَت على التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة، مما جعلها مركزاً مالياً وتجارياً عالمياً. إثيوبيا حقّقتُ نموًّا اقتصاديًّا من خلال استثمارات في البنية التحتية والزراعة. البرازيل اعتمدت برامج اجتماعية للتقليل من الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية. المملكة العربية السعودية وضعت خطة استراتيجية تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي، وتعزيز الاستثمار وتطوير قطاعات كالسياحة والترفيه، واستثمرت في البنية التحتية والتعليم والتدريب والتكنولوجيا والرقمنة عبر دعم الشركات الناشئة والتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الاستدامة والطاقة. وغيرها من الدول التي تمكنت من استخدام الإطار العام كعمل لتحقيق التنمية، وذلك من خلال وضع استراتيجيات محددة تناسب احتياجاتها وظروفها.

حين نعيد ترتيب أولوياتنا، ونجعل من العلم خيارًا وطنياً، نبدأ في استعادة أنفسنا، فلا حرية حقيقية بلا استقلال معرفي، ولا سيادة حقيقية بلا إنتاج محلي، ولا مكان لنا في هذا العالم إن لم نكن أصحاب عقل وإرادة. ولعل التحديات التي واجهتها هذه الدول في مشوار التنمية تختلف من دولة إلى أخرى… إلا أنها تتشابه في محتواها… الفساد الذي يؤدي إلى هدر الموارد وتقويض جهود التنمية. عدم الاستقرار السياسي والتوترات السياسية والنزاعات الداخلية والخارجية تعرقل البرامج التنموية، وتجعل تنفيذها صعبًا. نقص التمويل والاعتماد على المساعدات والاستثمارات الخارجية يمكن أن يؤدي إلى نقص الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف. التغيّرات المناخيّة والتأثيرات السلبية للتغيير المناخي، مما يؤثر على الزراعة والبنية التحتية والتنمية. البنية التحتية : عدم توفر الطرق والمياه النظيفة، يمكن أن يعيق الوصول إلى الفرص الاقتصادية. التعليم والتدريب، وذلك من خلال تحسين أنظمة التعليم والتدريب المهني لضمان وجود قوى عاملة مؤهلة. هذه التحديات تمّت مواجهتها من بعض الدول، التي اتخذت سياسات صارمة من أجل بناء تنمية حقيقية مستدامة.

إن العلم لا يُستخدم فقط للفهم والتحصيل بل للبقاء، ويجعلنا نزرع أراضينا بأنفسنا، ونعالج مرضانا بأيدينا، ونحمي حدودنا بمنتجاتنا. العلم هو الذي يحوّل الأفكار الصغيرة إلى شركات عملاقة، ويجعل من قاعات الدراسة منصات ننطلق منها للعالم روّاداً للنهضة والتطور. وإن النهضة الحقيقية لا تُصنع بالكم، بل بالكيف، ولا بكثرة الخريجين، بل بندرةً العقول التي تعرف إلى أين تتجه.

إن استثمار الأمم في عقول أبنائها وتطوير قدراتهم العقلية هو الاستثمار الأفضل والأكثر أهمية لتحقيق التقدم والازدهار.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
علي العصفور
[ صفوى ]: 26 / 7 / 2025م - 2:58 م
أحييك أستاذ أمير على الطرح المتوازن. لكن ودي أشوف مقالاتك الجاية تتناول كيف نربط التعليم بسوق العمل فعليا لأن كثير من خريجينا للأسف ما عندهم مسار واضح بعد الجامعة.
2
محمد اليوسف
26 / 7 / 2025م - 6:03 م
الكاتب وضع إصبعه على الجرح: كثرة الخريجين ما تعني تطور بل نحتاج نوعية مخرجات تربط بين التعليم والإنتاج. شكرا لك
3
نرجس العوامي
26 / 7 / 2025م - 8:44 م
أستاذ أمير ذكرت أمثلة رائعة لدول نجحت بالعلم لكن تمنيت تضيف تحدياتنا المحلية مثل البيروقراطية أو ضعف الشراكة بين القطاع الخاص والجامعات