آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

الفقراء لا يضحكون

رائدة السبع * صحيفة اليوم

تخيّل أن لديك بطاقة صراف لا تسحب منها أموالاً، بل بهجات.

رصيدك هذا الصباح: مئة وثلاث وأربعون بهجة.

خُصمت خمس بهجات لتأخرك عن موعد، وأضيفت ثلاث لأن ضحكتك صدحت مع طفل غريب في المصعد.

الآن أمامك ثلاثة خيارات لإنفاق هذا الرصيد:

أن تشتري لحظة صفاء في ركن هادئ لا يعرفك فيه أحد، أو تهدي جزءًا منه لمن يثقل كاهله وطأة يومه،

أو تدخره ليومٍ قادم، حين تحتاج إلى دفء الفرح.

أي خيار ستختار؟ وهل تُقاس قيمة الفرح بكمية ما نمتلك، أم بحكمة الإنفاق ومكان القلب؟ في عالم لا تُعد فيه الثروات إلا بعدد الضحكات، ندرك أن السعادة ليست سلعة تُشترى، بل رصيد يُدار بفن ووعي.

في هذا العالم الافتراضي، لا يقاس النجاح بعدد العقارات أو الرتب الوظيفية، بل بقدرتنا على الشعور بالفرح ومشاركة الآخرين به.

الرِّاتب هنا ليس مالًا، بل مزيج من الرضى، والضحك، والدهشة. والمسؤول لا يطلب تقارير مالية، بل يسأل: «كم ضحك الفريق هذا الأسبوع؟»

وبينما تنشأ بورصة جديدة لتداول لحظات الصفاء والنكات النادرة، تُمنح الجوائز لمن يعيد الأمل إلى أحياء مكتئبة، ويتدخل «بنك البهجة المركزي» بإجراءات تحفيزية مثل حفلات مفاجئة، وتوزيع ورود، وجلسات ضحك جماعية في الساحات العامة.

ومع ذلك، لا يخلو هذا الاقتصاد من تحدياته. فكما تُزيف العملات، يُزوّر الفرح أحيانًا.

تنتشر السعادة المزيفة عبر وسائل التواصل، وتفقد الابتسامات صدقها، إلى أن يحذر المحللون من «فقاعة البهجة» التي قد تنفجر في أي لحظة، مهددة بتآكل قيمتها الحقيقية.

في هذا السياق، يظهر فقر جديد لا يرتبط بالنقص المالي، بل بفقدان القدرة على الدهشة والفرح الحقيقي.

فالفقير هو من لم يعد يملك ”دهشة“ في حياته رغم كل أسباب السعادة التي تحيط به.

أما أنا، فلا أدعو إلى بهجة مصطنعة أو سعادة مفرطة، بل إلى اتزان إنساني يحترم كل المشاعر.

حين تحاصرني التحديات، ألوذ إلى صمتي الداخلي، أرتب مشاعري، وأمنح نفسي حق الحزن والتأمل.

ثم أعود، لا كما كنت، بل أعمق وأقوى، ببهجة صادقة تنبع من الفهم والتجربة، تشرق رغم كل شيء.

الآن السؤال: هل تملك رصيدًا كافيًا من البهجة في حياتك؟