من الحاجة إلى الكينونة
لم تكن مجرد عن دورة تعلم ذاتي عن بُعْد «Self-study» وجلسات إشراف كوتشينج «Coaching Supervision» ”إشراف توجيهي كما تحب د. غادة تسميتها“ فحسب وإنما كانت رحلة تحول في المنظور؛ منظور الرؤية للذات ومنظور عن طريقة مساعدة المستفيدين ككوتش «موجه».
إن المفاهيم العميقة التي يحتويها ”برنامج توجيه فرق العمل النيوكارزمية“ للدكتورة غادة طلال العنقاوي والحوارات والمناقشات التي دارت بيني وبين الدكتورة غادة أثناء ”جلسات الإشراف التوجيهية“، كانت بداية إشعال شرارة التحول في هذا المنظور. إن تشبيه الأفراد و”فرق العمل النيوكارزمية“ بالشجرة وما يحدث بداخلها من عمليات كيميائية وبيولوجية وما يدور حولها ويؤثر عليها تأثيراً مباشراً وغير مباشر قادني إلى التعمق في ذاتي والغوص عميقاً في أفكاري ومشاعري بل وفي كل ذرة من ذرات جسمي وتخيُّل العمليات التي تحدث في جسدي وآثار ذلك عليَّ وعلى سلوكي تجاه نفسي والآخرين الذين أتعامل معهم بما في ذلك عملائي «المستفيدين» أثناء جلسات الكوتشينج «التوجيه» أو الاستشارات أو تقييم.
إن التحول الجذري والجوهري في المنظور الذي حدث لي خلال ”برنامج توجيه فرق العمل النيوكارزمية“ والحوارات والمناقشات التي دارت بيني وبين الدكتورة غادة أثناء ”جلسات الإشراف التوجيهية“ قادني إلى الانتقال في طريقتي في العمل مع المستفيدين من التركيز على ”تحقيق أهداف مرحلية“ إلى التركيز على ما أسميته ”التحول في الكينونة“.
• من التركيز على: ”ما الذي تريد أن تحققه خلال رحلة الكوتشينج «التوجيه» معي؟“،
إلى التركيز على: ”من تريد أن تكون عندما تنتهي من رحلة الكوتشينج «التوجيه» معي؟“
هذا تحول من الغاية الخارجية إلى الهوية الداخلية؛ ”فالنتائج ليست الهدف، بل وسيلة للكشف عن الذات.“، مقولة من النت
• ومن: ”أين أنا الآن بالنسبة لأهدافي؟“،
إلى: ”من أنت الآن؟“
أحاول مساعدة المستفيد إلى تحول في المنظور: من التركيز على تحقيق نتائج وقتية إلى النظر إلى المعاني الحقة التي يتمنى أن يعيشها، إلى التركيز على العيش المتصل بالغاية الكبرى التي يسعى إليها، إلى التركيز على رؤية ذاته وقد تحولت ذات تعيش الرضا المستدام.
إن هذا يتطلب رؤية الذات الحقيقية التي يرغب المستفيد أن يكون عليها رؤية واضحة جلية بعين البصيرة لا البصر ثم يرسم تلك الذات ويكتب صفاتها وما تمتلكه من قدرات ومهارات وممارسات تقوده إلى السعادة الدائمة والمستدامة فيبدأ بتهيئة نفسه كل يوم من لحظة فتح عينيه من النوم في الصباح الباكر بالوعي الكامل لذاته وإدارة أفكاره ومشاعره سلوكياته ويحتفل بكل خطوة إيجابية يخطوها وينظر إلى التعثر على أنه نعمة وفرصة ليتعلم منها.
إن الانتقال من ”الحاجة“ إلى ”الكينونة“ يتطلب ”جهداً ومجاهدة“ باستمرار ليس من منظور ”الضغط لتحصيل التغيير“ ولكن من منظور ”الحب والسعادة“ المستدامة بالاحتفال بكل خطوة أخطوها حتى أصل إلى ”من أكون“.
إن دوري ككوتش «موجه؛ كما تحب د. غادة تسميتها» ليس أن أقول للمستفيد افعل أو لا تفعل وإنما مساعدة المستفيد ليربط كل ما يريد أن يحققه بالغاية ”بمن أنا“ عندما أحقق هذا الشيء. هذا في رأيي هو ما تتطلبه الجدارة رقم 7 من جدارات الاتحاد الدولي للكوتشينج والتي تنص على:
”Evokes Awareness - Definition: Facilitates client insight and learning by using tools and techniques such as powerful questioning, silence, metaphor or analogy“
يُثير الوعي - التعريف ”يُسَهِّل وصول المستفيد إلى الاستبصار والتعلّم، من خلال استعمال أدوات وتقنيات مثل: الأسئلة القوية، الصمت الهادف، الاستعارات، أو التشبيهات، بما يُسهم في توسيع الرؤية الداخلية واكتشاف المعاني الرمزية والأنماط الكامنة.“، ترجمة بتصرف للوصول للمعنى التي أرغب في إيصاله حسب ما يقتضيه سياق الموضوع.
”من الحاجة إلى الكينونة“ ليس مجرد تعبير لغوي، بل رحلة وجودية؛ انتقال من حالة السعي لتحقيق أهداف خارجية إلى حالة تحقّق الذات. فالتحوّل لا يعني أن نصبح شيئًا جديدًا فحسب، بل أن نزيح الغبار عن ذواتنا الحقيقية، ونعيشها بصدق واتصال ورضا. فالكينونة ليست غاية نبلغها ثم نقف، بل وعيًا مستدامًا نعيشه… خطوة بخطوة، نفسًا بعد نفس، حتى نصبح ”ما نحن“، نحن حقًا، في كل الأوقات.
إن التحول يبدأ من الداخل، ويُبنى في الداخل، وهناك يبدأ تكوُّن النور الوجداني الذي يتدرّج حتى يشعّ إلى الخارج مع كل خطوة يخطوها المستفيد، فينعكس على كيانه وسلوكياته، ويبدأ الآخرون برؤيته واضحًا عليه، كلما اقترب من تحقيق ذاته.
ونختم الكلام بما روي عن أمير البيان، أمير المؤمنين علي :
”رحم الله امرأً عرف من أين، وفي أين، وإلى أين“.
وأترككم للتأمل في هذه العبارة القصيرة ذات المضامين العميقة.