درس في النجاة «3»
كل خيارٍ يومي تتخذه، وكل عادة صغيرة تكررها بلا اكتراث، تسهم في تشكيل ملامح غدك، حتى وإن بدا الأثر خافتًا. المستقبل ليس حدثًا مفاجئًا، بل سلسلة قرارات تراكمية صنعتها بيديك. لا شيء يضيع، ولا سلوك يمر مرور الكرام. لهذا، فإن ما تفعله الآن، حتى لو ظننته تافهًا، يُحدث فارقًا. وإن أردت أن ترى شكل غدك، فانظر إلى نمط يومك.
نحن نطلب الصحة، ونبتهل من أجل السلام الداخلي، ونُحسن التمنّي على مستوى الطموحات، لكن أغلبنا يعيش بنمطٍ يُناقض ما يدّعيه. لا يستقيم أن تسير باتجاه ثم تتوقع أن تصل إلى وجهةٍ أخرى. من لا يعيد النظر في عاداته، لا يحق له أن يشتكي من نتائجها. الحياة تُنصف من يصنع التوازن بين ما يرجوه وبين ما يفعله.
الذين صنعوا الفارق، لم يكونوا أكثر حظًا أو ذكاءً. كانوا فقط أكثر وضوحًا. عرفوا من البداية ما الذي يريدونه، ثم تفرغوا لملاحقته دون مراعاة للكيفية وإن خالفت القاعدة التي تربوا عليها. لم يُجاملوا الظروف، ولم يسترضوا أقرب الناس إليهم. اتخذوا طريقًا مختلفًا، ودفعوا ثمنه، وساروا فيه ولو وحيدين. لأنهم أيقنوا أن تحقيق النجاح بالنسبة لهم، أثمن من الاحتفاظ بإرث لم يعد ذا قيمة.
استقلالية القرار تتطلب شجاعة في تحمّل التبعات والمسؤوليات الرديفة له. هي، أن تختار وأنت تعرف أن الاختيار يعني ألّا تعيش بنسخة قديمة من ذاتك، ولا بأحلام من كنت تجالسهم. وحدهم الذين يعيدون ترتيب دواخلهم، ويغربلون عاداتهم لتتواءم والمعايير، هم من يُعطَون فرصة لبداية حقيقية.
قد تُحسن الظن بمن حولك، لكن لا يعني ذلك أن تُفوّت على نفسك لحظة الصدق مع ذاتك. لا تتخذ قراراتك لأن أحدهم أبدى امتعاضًا. اسأل نفسك وبهدوء إذا كان قرارك الذي عزمت على اتخاذه، سيمنحك السلام الداخلي لتخطو خطوتك الأولى تجاه هدفك الأسمى. بعض المجاملات تكلفتها باهظة، وقد لا تظهر نتائجها إلا بعد مرور وقت طويل.
الحياة ليست اختبارًا لرضا الآخرين عنك، بل لاختبار صدقك مع نفسك. أخطر ما يمكن أن يحدث لك ليس أن تتعثر في تحقيق هدف ما، بل أن يُكتب لك أن تنجح في حياة لا تُشبهك، أو أن تُتقن دورًا، لكن في غير مسرحك. هذا ليس من باب التخويف من الغربة، بقدر ما هو تحذير من أن تعيش غريبًا عن حقيقتك التي فطرك الله عليها.
النجاة لا تعني أن تنجو من السقوط، بل أن تنهض بعده وأنت أكثر وعيًا بما يصلح لك. أن تقرر، ولو متأخرًا، أن الحياة قصيرة على أن تُستنزف في إرضاء الجميع. سرّ نجاتك يبدأ حين تدرك أن الحياة تُعاش لمرة واحدة فقط، وأن أجمل ما يمكنك فعله لنفسك هو أن تمنحها حياة تليق بها، لا حياة فُصلت بإرادتك، لكن لتُناسب من هم حولك من الناس.