آخر تحديث: 27 / 7 / 2025م - 3:34 م

نعمة فؤاد اليحيى

سراج علي أبو السعود *

مقدمة توضيحية:

هذا المقال ليس تمجيدًا لأسماء، ولا مدحًا لأشخاص، بل تأملٌ صادق في أهمية النقد بوصفه أداة لترقية الفكر، وتحسين الكتابة. وقد وُرد ذكر الأستاذ فؤاد اليحيى كمثال حيّ وشخصي على هذا الدور النبيل، ما أرجو هو أن لا يُفهم الحديث هنا على أنه تزلف أو تعظيم، هو باختصار إقرار بفضل كل من يُمارس النقد الجاد، أكان فؤادًا أم غيره.

نعمة فؤاد اليحيى

في ديوانيتنا الصغيرة، كثيرة الجدل قليلة العدد، كان للنقد — لا كمصطلح لغوي متفق عليه، بل كممارسة حية — نصيب وافر من الحديث. لم يكن النقد هناك تعريفًا في معجم، بل حوارًا يحتدّ أحيانًا، ويتهكم أحيانًا، ويتأمل كثيرًا. ولم يكن غريبًا أن تُلقى بعض العبارات على سبيل الاستفهام أو الاستنكار تعليقًا على مقالٍ كتبته، كقول الأستاذ فؤاد اليحيى:

«فهمت قصدك. يعني أحاديث تُتداول في المجالس؟»

جاء ذلك تعليقًا على مقدمتي في مقالي ”نحو مجتمعات متحابة“، في إشارةٍ فهمتُ منها، في بادئ الأمر، شيئًا من التهكم على التعامل مع أحاديث المجالس كمواد تستحق الكتابة والنقاش.

أو كتعقيبه علي ايضًا في مقالي: القابض على جهله كالقابض على الجمر، حين قال:

”الجملة هذه صحيحة 100%: «بعض الناس يتحفّظون على التعلّم، بدعوى أن منابره ليست نقيّة، وأن فيها من يُزيّف بقدر ما يُعلّم». أذكر أني قرأت مقالًا بعنوان القراء المعتوهون يدعو إلى هذا بالضبط!“

والحقيقة أنني أنا كاتب مقال القراء المعتوهون! قد يرى بعضهم في ذلك تهكمًا، لكنه — وإن كان في حقيقته كذلك — فهو عندي نقد، والنقد نعمة، حتى حين يُغلف بالسخرية أو يُساء فهمه. السبب؟ أن الكاتب، حين يشعر أن عينًا بصيرة تتابع ما يكتب، يبدأ لا إراديًا في مساءلة نفسه عن كل جملة يكتبها: ”لماذا قلتُ هذه الجملة؟ وهل هي دقيقة بما يكفي؟“ وحده هذا السؤال كفيل بأن يدفع الكاتب إلى المزيد من التروّي، والصدق، والتحرّي، فتصفو اللغة والعبارة، ويقترب المقال من أن يستحق القراءة.

لِمن نكتب؟ قد يبدو الجواب بديهيًا: للناس. لكنه، بالنسبة لي، لم يكن كذلك يومًا. أنا أكتب أولًا لنفسي؛ أتهذّب بما أكتب، وأقوم اعوجاجي إن وُجد، ولهذا كنتُ، وما زلت، في حاجة ماسّة إلى النقد. ولا أقول هذا تملقًا أو استدعاءً لنقدٍ مجامل، بل لأنه الحقيقة كما أراها. نحن، معشر المتطفلين على القلم، لا نملك رفاهية الاستغناء عن من يُهذب كتاباتنا، ويقوم ما اعوجّ منها. ومع أن الإنسان، كما يبدو لي، مفطور على حب الغلبة في الجدل، وقد يدفعه ذلك إلى إنكار الحقائق لا لشيء، سوى ألا يخسر الجولة. لكن القناعة، في حقيقتها، ليست قرارًا إراديًا تمامًا. قد يُكابر الإنسان ويُنكر اقتناعه، لكنه في داخله قد سلّم للحجة المنطقية، وإن لم يعترف بذلك علنًا. ولهذا، فإن النقد يصبح وقودًا خفيًّا يحفّز الكاتب على الحذر، وعلى مراجعة كل فكرة وكل صياغة. وبفضل هذا الضغط الجميل، ترتفع دقة النص، وتنضج لغته، ويغدو — بنسبة ما — جديرًا بالقراءة.

نحن — ثلّة الأصدقاء القليلين — ننتظر، وأنا معهم، ما الذي سيراه الأستاذ فؤاد هذه المرة؟ أي عثرة منطقية أو خلل منهجي وقع فيه سراج؟ أي زلّة بلاغية أو هفوة لغوية تسلّلت إلى النص؟ ننتظر، وكلٌّ منّا يحمل موقفه: فريق يدعمني بحماس يشبه حماس مشجّع وفيّ لفريقه، وفريق يترقّب، لا عن خصومة شخصية، بل بدافع نقدي شريف لا يعرف المجاملة. لكن ما نتفق عليه جميعًا، هو أن ”فؤاد“ — بنقده الصارم، وأسلوبه العميق — كان وما يزال نعمة، تدفعني — أنا سراج — إلى مزيد من الدقة، والتأني، ومساءلة نفسي أولًا عمّا أكتب، من العنوان حتى النقطة الأخيرة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
عبدالله الشاخوري
23 / 7 / 2025م - 11:56 ص
مقال ممتع في بنائه وموضوعه يحمل تقديرا أصيلا لفعل النقد. لفتني قول الكاتب: “لمن نكتب؟” وإجابته الصادقة: “لنفسي أولا”. هذا اعتراف شجاع بأن الكتابة أيضا وسيلة تهذيب ذاتي لا مجرد خطاب للآخر.
2
عادل سلمان الحبيب
23 / 7 / 2025م - 1:34 م
أحترم جدا صراحة الكاتب في قبول النقد بل جعله “وقودا” لتحسين أدواته. كثير من الكتاب يتحسس من أي ملاحظة لكن هنا نشوف نضج حقيقي وتقدير لفعل المراجعة المستمرة للنص.
3
عبدالرحيم حسن اليعقوب
23 / 7 / 2025م - 5:54 م
يا ريت كل كاتب عنده “فؤاد” في حياته. الناس تكتب وتنشر وما تدري عن الأخطاء إلا بعد فوات الأوان. حلو الواحد يكون حوله من يوقفه إذا انفلت لسان القلم.