الانفجارات النجمية «Supernovae»: الطامة الكبرى
في أعماق الكون الهادئ، تتخفّى كوارث كونية مرعبة، لا تُشبه شيئًا مما نعرفه على الأرض. واحدة من أعظم تلك الظواهر هي الانفجارات النجمية، أو ما يُعرف علميًا بـ ”السوبرنوفا“ «Supernova» — لحظة احتضار نجم عملاق، لكنها لا تشبه أي موت، بل أشبه ما تكون بـ قيامة نارية، تعيد تشكيل المادة، وتطلق طاقة تفوق كل تصوّر.
حين يفقد النجم الضخم وقوده النووي الذي كان يُقاوم جاذبيته الذاتية، تبدأ نواته بإنتاج الحديد — العنصر الوحيد الذي لا يُنتج طاقة، بل يمتصها.
في تلك اللحظة الحرجة، وكأن الحديد قد أعلن حكم الإعدام، ينهار النجم على نفسه وينفجر في ومضة تضيء المجرة بأكملها. أليس في الحديد بأس شديد؟
طاقة انفجار سوبرنوفا واحدة تعادل طاقة مليارات الشموس خلال ثوانٍ معدودة.
حين تهدأ ألسنة اللهب النجمية، لا يعود النجم كما كان. بل يخلف وراءه جرم من الثلاثة:
1. نجم نيوتروني — كثافة لا تُصدّق: ملعقة واحدة منه قد تزن مليارات الأطنان. وربما هو ما أشار إليه القرآن بقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: 2-3]
2. ثقب أسود — جاذبية مطلقة تبتلع الضوء والزمان والمكان، ويُعتقد أنه العمود الخفي الذي ترتكز حوله المجرات.
3. قزم أبيض — بقايا نجم في حالة أقل عنفًا، لكنّه لا يقل إثارة للدهشة.
كل من هذه البقايا يعبّر عن ختم كوني للجلال والرهبة، وكأنها أختام لما بعد الحياة النجمية.
قد يبدو الانفجار وحشيًا، لكنه في الحقيقة فجر جديد. في هذه اللحظة النارية، تتشكل العناصر الثقيلة — مثل الذهب، الكالسيوم، واليورانيوم — التي لا يمكن أن تنشأ داخل النجم أثناء حياته، بل فقط أثناء انفجاره.
أجسادنا، عظامنا، دمنا، جميعها مصنوعة من رماد نجم انفجر قبل مليارات السنين.
وكما قال الإمام علي بن أبي طالب: ”وتحسب أنك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر.“
أو كما قال كارل ساغان: ”نحن مصنوعون من غبار النجوم.“
ما يحدث في سوبرنوفا ليس مجرد ظاهرة فيزيائية، بل مشهد كوني يقترب من صورة يوم القيامة في الوعي البشري:
• زلزلة عظيمة.
• تفجير لا رجعة فيه.
• تفكّك للبنية.
• انبعاث طاقة تُنهي كل شيء.
وكأنها الحُطمة الكونية التي تكسر النظام وتبعثر النجوم، تمامًا كما تصف الآية: ﴿فَإِذَا آلنُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ [المرسلات: 8].
حين ننظر إلى السماء في ليلة صافية، قد يكون أحد النجوم التي تلمع أمامنا الآن قد انفجر بالفعل، ولم يصلنا نعيه بعد. فالضوء يسافر ببطء عبر هذا النسيج الكوني، ليصل متأخرًا بملايين أو مليارات السنين.
الكون لا ينسى. الأحداث لا تموت. بل تُخزن في نسيج الزمكان، وتبقى خالدة كأنها مدوّنة في ”أمّ الكتاب“: ﴿يَمْحُو آللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ آلْكِتَابِ﴾ [الرعد: 39].
وربما، حين ننظر في أعماق النجوم، لا نُشاهد موتها فحسب، بل نُشاهد قصتنا: نحن أيضًا نولد، نشتعل، نُنهك، وربما ننطفئ، لنحيا في هيئة أخرى.
إن السوبرنوفا ليست مجرد انفجار، إنها وعد بالبعث، ورمز أن كل نهاية عظيمة، قد تكون في حقيقتها بداية مجيدة.