الزواج بين الرقي والانحدار
في زمنٍ تسارعت فيه الحياة، واختلطت فيه القيم بالمظاهر، صار الزواج لدى البعض مسرحًا لتبادل المصالح لا المشاعر، وساحة لمقايضة الحقوق لا موطنًا للسكينة. نتساءل: كيف تحوّل الرباط المقدس من واحة للرحمة إلى مضمارٍ للصراعات؟
هل تراجعت حسن المعاملة بين الأزواج لتُستبدل بالمادة، والندية، والمقايضة العاطفية؟
وهل أصبح بعض الأزواج والزوجات يقيسون الحب ببطاقة الصراف، لا بعمق التواصل واحترام الكيان؟
سأطرح في مقالي وجهان نقيضان:
وجه مشرق لحسن المعاملة التي تسمو بالعلاقة الزوجية، وآخر قاتم حيث تغيب القيم وتحضر المصلحة. وسنستعرض كيف يتسلل الفساد أحيانًا على هيئة ”نصيحة صديق“ أو ”صوت مجتمع“، يزيف معايير النجاح الزوجي ويهدم الثقة.
بين الاحترام والإهمال.. مسافة أخلاق لا سنوات
الاحترام هو حجر الأساس في أي علاقة، فكيف إذا كانت علاقة مقدسة كعلاقة الزواج؟
لكننا اليوم نشهد نماذج مؤلمة لسوء المعاملة، بعضها صاخب كالإهانات والشتائم، وبعضها صامت لكنه أشد فتكًا: الإهمال، التجاهل، المقارنة، الابتزاز العاطفي أو المادي.
1- زوجة تهدد بالرحيل إن لم يتحسن وضعه المالي.
2- زوج يسخر من اهتمامات زوجته لأنها لا تدرّ عليه مالاً أو سمعة.
3- زوجة تتنازل عن كرامتها لتحتفظ بحقيبة، لا بشريك.
4- زوج يرى في زوجته خادمة لا رفيقة.
كل هذه الأشكال تنذر بخطر كبير: التمزق القيمي. حين تتحول العلاقة من ملاذٍ روحي إلى علاقة مشروطة بالرغبة والمنفعة، تكون قد فقدت جوهرها.
في المقابل، نجد نماذج لزوجين قد لا يملكان الكثير من المال، لكن يملكان أضعافه من الاحترام، واللطف، والدعم.
1- زوج يدعم زوجته وهي تمر بفترة صعبة، لا يلومها بل يحتضن وجعها.
2- زوجة تعذر زوجها في فترات ضعفه، وتقول له: ”أنا معك، لا عليك“.
2- حوار راقٍ، تفهم لظروف الآخر، اهتمام بالتفاصيل الصغيرة: كوب قهوة، رسالة دعم، نظرة تقدير.
في هذه العلاقات، لا يُقاس النجاح بعدد الرحلات ولا بهدايا المناسبات، بل بالطمأنينة اليومية.
في هذا النوع من الزواج، الحب لا يُشترى، بل يُزرع يوميًا بحسن المعاملة.
من أخطر ما يهدد العلاقات الزوجية اليوم الضغوط الخارجية:
1- صديقة تسأل: ”ليش تصبرين؟ فيه غيره!“
2- زميل يقول: ”لو كنت مكانك ما رضيت بهالكلام!“
3- محتوى رقمي يُمجّد فكرة التمرد باسم الحرية، أو الابتزاز باسم القوة.
هذه الأصوات - وإن بدت ناصحة - ليست دائمًا مخلصة. أحيانًا تكون وقودًا خفيًا يُشعل نار الشك والأنانية.
الحذر من المحبطين واجب، لأنّ بعض النصائح تُغلف بالغيرة، لا بالحكمة.
في نهاية المطاف، ليست المعاملة الطيبة ضعفًا، ولا الصبر هزيمة، بل هو فن راقٍ من فنون الحب الحقيقي.
الزواج لا يُبنى على الشروط بل على العطاء دون مقابل، والاحترام في غياب الجمهور، والاهتمام حتى في أبسط التفاصيل.
فلتكن علاقتك بزوجك أو زوجتك مرآةً لقيمك، لا لصوت السوق أو ضغوط المجتمع.
واذكر دائمًا:
”الكرامة لا تُشترى، والحب لا يُقاس، وحسن المعاملة هو الاستثمار الأبقى.“
اختر أن تكون أنت الطرف الذي يُحسن الظن، ويُحسن المعاملة، ويُحسن الختام. ولعل في كل بيت تُروى فيه بذور الاحترام، تزهر السكينة ويثمر العمر حُبًا لا يُقيَّد بالسنين.