عائلة المحروس.. منارة اقتصادية وخيرية في القطيف
في المشهد الاقتصادي المتجدد للمنطقة الشرقية، وتحديدًا محافظة القطيف، تبرز عائلة المحروس كنموذج متميز يجمع بين الريادة التجارية والمسؤولية الاجتماعية. منذ تأسيسها في أربعينيات القرن الماضي، أثبتت هذه العائلة قدرتها على ترسيخ مكانة اقتصادية مؤثرة، دون أن تتخلّى عن التزاماتها الإنسانية تجاه المجتمع المحلي.
تعود بدايات شركة سعيد أحمد المحروس وأولاده إلى عام 1944، حين وضع المؤسس سعيد أحمد المحروس «رحمه الله» حجر الأساس لمشروع تجاري متخصص في استيراد وتوزيع المواد الغذائية. وعلى مرّ العقود، تحوّلت هذه الشركة من مشروع عائلي بسيط إلى اسم موثوق به على مستوى المملكة، مع فروع في القطيف، الدمام، الرياض، جدة، والهفوف.
اليوم، تتوسع الشركة إلى مجالات صناعية أكثر تقدمًا، من خلال إنشاء مصنع لتعبئة المواد الغذائية في المنطقة الصناعية الثالثة، ضمن مشروع استراتيجي يستهدف السوقين المحلي والخليجي.
ولم تقتصر أنشطة العائلة على القطاع الغذائي فقط، بل امتدت إلى القطاع العقاري، حيث تُعدّ عائلة المحروس من أبرز الملاك العقاريين في المنطقة، وتُعرف بإدارتها المحترفة والمنظمة لمحفظتها العقارية.
فمن خلال إدارة منهجية للأملاك تعتمد على التخطيط طويل الأمد وحُسن توظيف الموارد، استطاعت العائلة أن تحقق استدامة مالية وتوفر بيئة عقارية راقية تُراعي احتياجات السوق المحلي، سواء في القطيف أو خارجها.
أدركت عائلة المحروس منذ وقت مبكر أن دعم المجتمع لا يتم فقط من خلال توزيع سلال غذائية أو مساهمات موسمية، بل عبر بناء بنية تحتية تخدم الفئات الأكثر احتياجًا بشكل مستدام.
ومن أبرز هذه المساهمات:
• مركز الحاج سعيد المحروس «رحمه الله» لذوي الإعاقة، الذي تبرعت العائلة بإنشائه بالكامل لصالح لجنة التنمية الاجتماعية في القطيف، بتكلفة بلغت 15 مليون ريال سعودي، غير شاملة قيمة الأرض المقام عليها المشروع.
• رعاية مهرجان القطيف الوطني لعدة سنوات، كجزء من إيمانهم بأهمية الثقافة في تقوية نسيج المجتمع.
• دعم جمعيات خيرية متعددة كشريك استراتيجي ضمن التزامهم العميق بالمسؤولية المجتمعية.
تدار شركة سعيد أحمد المحروس وأولاده اليوم بقيادة عبدالعزيز المحروس «رئيس مجلس الإدارة»، وبمشاركة فاعلة من بدر المحروس وخالد المحروس، في نموذج إداري يُجسّد معنى الترابط العائلي في خدمة المشروع الوطني.
هذه الإدارة المتناغمة لا تكتفي بالحفاظ على إرث المؤسس «رحمه الله»، بل تعمل على تطويره باستمرار من خلال تبنّي توجهات حديثة في الحوكمة والتخطيط المؤسسي، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، وخاصة في مجالات الأمن الغذائي، الاستدامة، وتمكين القطاع الخاص.
وقد تجسّد هذا الفكر المتقدم في سلسلة من الإنجازات الكبيرة، أبرزها التوسع الصناعي، والتحول الرقمي في عمليات الشركة، وتوسيع شبكة الشراكات الاستراتيجية داخل المملكة وخارجها.
إن مسيرة عائلة المحروس لا تُختصر في الأرقام أو النجاحات الاقتصادية فقط، بل تُقاس بأثرها الممتد في حياة الناس والمجتمع. فقد اختارت العائلة، ومنذ تأسيسها، أن تجعل من المسؤولية المجتمعية جزءًا أصيلًا من هويتها، فجمعت بين العمل التجاري الشريف، والبُعد الإنساني النبيل.
وإلى جانب دعمها المستمر لمراكز الرعاية والجمعيات، برز دور العائلة في تشييد عدد من المساجد في محافظة القطيف، بهدف خدمة المؤمنين وتوفير بيوت للعبادة تليق بالمجتمع وروحه الإيمانية، في تجسيد حيّ لقوله تعالى:
﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر…﴾
لقد قدّمت العائلة نموذجًا فريدًا في البناء المتكامل: بناء الاقتصاد، وبناء الإنسان، وعمارة الأرض، وها هي اليوم تُكمل المسيرة بإدارة واعية، واستراتيجية ترتكز على رؤية المملكة 2030، وعلى الإيمان بأن المجتمعات لا تنهض إلا حين تتقاطع التنمية مع الإيمان، والتجارة مع القيم.
في زمن يتغيّر فيه كل شيء بسرعة، تثبت عائلة المحروس أن العمق، والنية، وخدمة الناس هي الثوابت التي تصنع الفرق.