الإمام علي بن الحسين «زين العابدين» (ع) والمجتمع
بعد مقتل الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه ، كان لا بدّ من مواجهة الظلم، وفضحه أمام الأمة، وتثبيت قيم السماء عبر طرق آمنة ما أمكن، بعيدًا عن المواجهة العسكرية، فجاء دور الإمام زين العابدين
ليثبّت أركان الدين، ويشد على أيدي المستضعفين.
قام الإمام زين العابدين بدور عظيمٍ وعميقٍ في المجتمع، رغم الظروف السياسية القاسية التي عاشها بعد واقعة كربلاء العظيمة، وقد تمثّل هذا الدور في عدة جوانب روحية، واجتماعية، وتربوية، أبرزها:
أولًا: إصلاح المجتمع بالتربية الأخلاقية والدعوية، فقد أولى الإمام زين العابدين اهتمامًا بالغًا بإصلاح النفوس وتعليم الناس مكارم الأخلاق، وذلك عبر الأدعية والمواعظ، ومن أبرز وسائل تربيته، الصحيفة السجادية، والتي تُعد مدرسة روحية وأخلاقية وتربوية متكاملة، عُرفت بـ ”زبور آل محمد“.
ثانيًا: العمل الاجتماعي السريّ والعلني، كان الإمام زين العابدين يخرج ليلاً حاملاً كيسًا من الطعام ويوزّعه على فقراء المدينة المنوّرة دون أن يعرفوه، إلى أن استُشهد، سلام الله عليه، فعُرف بعد ذلك بأنّه كان يُطعم مئات العائلات، وينفق من ماله الخاص لمساعدة الأرامل والأيتام والمساكين رغم بساطة معيشته.
ثالثًا: مواجهة الانحراف بصمتٍ حكيمٍ، فمن المعلوم أنّ الإمام زين العابدين عاش في ظل حكم بني أمية، وخصوصًا في فترة تكميمِ الأفواهِ، وملاحقةِ أهل البيت
بين كل حجر ومدر، فاختار أسلوب الدعاء والتربية الصامتة في مواجهة الانحراف الفكري والسياسي، وتجنّب الدخول في صراعات سياسية مباشرة، لكنّه حفظ هوية الأمة الإسلامية الحقيقية من خلال إبراز قيمِ الإسلامِ النقيِّ الحنيفِ.
رابعًا: الدفاع عن قضية كربلاء وفضح الظالمين، لقد أدّى الإمام زين العابدين دورًا كبيرًا في كشف ظلم الطاغية وأعوانه من خلال خطبه في الكوفة والشام، فكان صوت الحق الهادئ الذي واجه الطغاة بقوة الكلمة والمنطق والعقيدة.
خامسًا: رعايةِ الأسرةِ العلويةِ المنكوبةِ، بعد فاجعةِ كربلاءَ الفظيعةِ المؤلمةِ، تولّى الإمام زين العابدين مسؤولية رعاية النساء والأطفال من أهل البيت
، واهتم بإعادتهم إلى المدينة المنوّرة، وتثبيتهم نفسيًا واجتماعيًا.
لم يقتصر دور الإمام زين العابدين على هذه الجوانب فقط، أو دور إمامٍ عابدٍ زاهدٍ، بل كان إمامًا مصلحًا، ومربيًا، وقائدًا اجتماعيًا، حافظ على روح الإسلام في أحلك الظروف وأصعبها، واستطاع أن يزرع بذور الوعي والصبر والثبات في قلوب الأمة، وظلَّت عطاءاتهُ باقية إلى يومنا هذا، فسلام عليه يوم ولد، ويوم استُشهد، ويوم يُبعث حيًّا.