آخر تحديث: 30 / 7 / 2025م - 3:00 ص

‏مشهدية التكامل والوعي البيئي

ياسين آل خليل

في مشهدٍ مشرق ومشرّف من مشاهد الوعي البيئي، شهدت فرضة دارين بمحافظة القطيف مبادرة ”صيدي ما يلوث“، حيث هبّ أكثر من 60 متطوعًا من الجهات الحكومية والأهلية لتنظيف الشاطئ من بقايا الشباك والمخلفات التي تنهش البحر دون هوادة. كانت المبادرة صرخةً في وجه الإهمال، ونفَسًا نقيًا يُضخّ في رئة الساحل الذي نُحب.

ما يثلج الصدر هو هذا التكامل بين الجهات المشاركة، من حرس الحدود، وبلدية القطيف، وشبكة القطيف الصحية، إلى الفِرَق التطوعية النشطة. لم يكن الهدف مجرد إزالة بقايا الشباك أو العلب المعدنية، بل بناء سلوك جديد، وترسيخ مفاهيم بيئية تبدأ من الطفل وتمتد إلى الصياد. هذا النوع من المبادرات يفتح آفاقًا جديدة لمفاهيم بيئية أوسع وأعمق.

لكن.. ذات يوم وبينما كنت أتمشى على كورنيش المجيدية، الذي أصبح متنفسًا يوميًا للناس من مختلف الأعمار، وحيث البحر يعانق اليابسة في لوحة ساحرة، استوقفني شيءٌ مختلف. لم يكن شيئًا مرئيًا، بل رائحة كريهة تتسلل من أعماق الساحل، لم تكن تنبعث من قمامة، بل من التربة نفسها. تربة قديمة مضى عليها عقود وربما قرون، عوالق متحللة، وعبق يخنق الأنفاس ويؤذي الزائرين، ولا يليق بهكذا مكان نابض بالحياة.

هنا يأتي الاقتراح، وبكل احترام وتقدير للجهود المبذولة.. حبذا لو تبادر الجهات المعنية، بشفط هذه التربة من تحت مياه الكورنيش، وفي المناطق المتضررة تحديدا، واستبدالها برمال برية نظيفة. هذا الإجراء، سيُحدث فرقًا هائلًا على المدى القريب والبعيد من تحسين جودة الهواء المحيط، إلى تعزيز تجربة الزوار، وجعل الممشى أكثر استدامة وصحة.

من المشاهد المثالية التي نفتخر بتواجدها في مدن ساحلية كالعزيزية وخليج نصف القمر بالمنطقة الشرقية، ينعم الأهالي والزوار بشواطئ نموذجية من حيث الجودة والنظافة، بعد أن أنفقت البلديات مبالغ ضخمة على صيانة قيعان شواطئها وسواحلها وإزالة الرواسب القديمة التي تؤثر على جودة مياهها. مشهدية أخرى لا تقل إبداعا، في بعض السواحل الغربية من مملكتنا الحبيبة، حيث أُعيد تهيئة المناطق الساحلية بالكامل لرفع جودتها البيئية والسياحية. الأمل كبير في أن تحذو بلدية القطيف نفس النهج وتبادر في تنفيذ هكذا مشاريع ذات أهمية قصوى. نحن نفخر بأن لدينا مؤسسات تمتلك الكفاءات والإرادة الصلبة لتحقيق أهداف رؤية المملكة، كما رأيناه واقعا في «صيدي ما يلوث» على سواحل دارين.

إن ما شهدناه من جهود مباركة في مبادرة «صيدي ما يلوث» يبعث في النفس ثقة بأن الأيادي الحريصة على نظافة الشواطئ، هي نفسها قادرة على أن تمتد أيضًا إلى أعماق الساحل، حيث تقيم ثرواتنا السمكية التي يتغنى بها الصيادون ويحتفي بها سكان هذه المنطقة ويحولونها إلى أكلات بحرية صحية يسيل لها اللعاب وترقص لها الأمعاء.

ولأن القطيف اعتادت أن تكون رائدة في مثل هذه المبادرات، فإن فتح ملف أرضية الساحل القديمة، قد يكون امتدادًا طبيعيًا لتلك الروح التي تحركت لتنظيف الشاطئ. ومَن أطلق مثل تلك المبادرة لن يتردد، حين يرى المشهد عن قرب وتتضح له الصورة، في اتخاذ خطوة إضافية تمسّ جودة البيئة، وصحة الزوار، وصورة هذه المدينة التاريخية الأنيقة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
كوثر عبدالله
[ القطيف ]: 20 / 7 / 2025م - 2:49 م
أنا من سكان المجيدية وأعرف الريحة اللي ذكرها الكاتب زين! فعلا تزعج خصوصا وقت الرطوبة. بصراحة المقال عبر عن معاناة كثير منا ما قدروا يوصلونها للجهات المعنية.
2
سعيد
[ الجارودية ]: 20 / 7 / 2025م - 4:31 م
أقترح على بلدية القطيف إنها تستعين بتجارب بلديات العزيزية ونصف القمر اللي ذكرهم الكاتب خصوصا وإنها سبقتنا بهالخطوة. ليش ما نستفيد من جاهز؟
3
بتول آل حمود
20 / 7 / 2025م - 7:44 م
عندي ملاحظة: ليته الكاتب ذكر أي جهة تقدر تتبنى اقتراح شفط التربة بشكل مباشر. علشان نعرف لمن نوجه طلباتنا كمجتمع.