آخر تحديث: 30 / 7 / 2025م - 3:00 ص

خُلِقت الحمير والبغال لتُركب لا لتُناقش

ليلى الزاهر *

في هذا اليوم حضرت نقاشًا بين فتاتين سأسميهن بأسماء مستعارة.

كانت فاتن تحاول إقناع هدى بوجهة نظرها، إذ بدتْ صحيحة لأوّل وهلة من النّقاش، إذ كانت فاتن صائبة في طرحها، هادئة في نقاشها؛ تلتمس طرقًا منهجية وأدلة منطقيّة في التعامل مع الحدث.

الحق يدور في أفقها وكلامها نزنه بمثاقيل الذهب.

بينما منطق هدى يتأرجح بين الجهل والعناد وعدم قبول النصح فقط مكابرةً.

بلا شك اندهشتُ من عدم اقتناع هدى بوجهة نظر فاتن، خاصّة وأنّ فاتن تبذل ما بوسعها لإنقاذ صديقتها هدى لكن دون جدوى.

إنّها لحلقة مفرغة تدور فيها هدى أوّلها غشاوة بصريّة وآخرها ظلمة وخيبةُ أملٍ. هذا هو حال من يصمّ أذنيه عن جوهر الرأي الصحيح، ويتمسك برأيه الخاطئ عنادًا في نفسه أولا.

بعد الحوار الذي دار بين فاتن وهدى عرفتُ أنّ الحمير والبغال خُلقت لُتركب لا لتُناقش حتّى في أمر يخص حياتها.

من جانب آخر قد تتألم كثيرا لأن الطرف الثاني الذي تحاوره قريب من الدرجات الأولى في الرحم، ويُشكل إقناعه صعوبة كبيرة جدا، في الوقت الذي علينا ألّا ننسى حبّنا له مما يجعلنا نتبادل الأفكار بحبّ وصبر ونصرف همّنا نحو تهذيب الآراء، أو جعل أفكارنا رموزا وإشارات غير مقصودة ولكننا لا نخرج بفائدة مرجوّة.

أما إذا بدت بوادر التناقض والتنافر من الطرفين في وقت مبكر من الحوار سوف يأخذ الحوار منعطفا جديدا، مثل الحوار بين الزوجين أو مع المراهقين حيث تتجه فيه بعض الأسر للخبراء التربويين.

لقطع أواصر الاختلاف والمحافظة على الودّ والوصول للحلول البنّاءة.

ويُعرف المُحاوِر الجيد من أول حرف ينطقه فيأخذ بألباب الآخرين، ويُكتب له الأجر والثواب بمنطقه الحكيم؛ فكلّ كلمة ينطقها تفتح بابا من الخير، وعندما تتدبر في حديثه تشعر بأنّك دخلت قصرًا سحريّا، يفوح من أرجائه عطرًا جميلا.

وما قصّة خولة بنت ثعلبة إلّا من أجمل الدلائل على نجاح الحوار الناجح فعلى الرغم من المشكلة الزوجيّة التي عُرضت على الرسول الكريم إلا أن خولة عرضتها في قالب جميل من انفعالات المرأة وتموجات عاطفتها، وما أسخى المرأة في سكب مشاعر الألم في مثل هذه المواقف!

قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: آية 1].

وقد روت إحدى زوجات النبي هذه القصة وأعقبتها قائلة: «الحمد لله الذي وَسِع سمعه الأصوات»

إنّ الحديث الناجح وجمال المنطق من أبرز الاستراتيجيات التي تجني لك حبّ النّاس كما لو كنتَ تعمل في صناعة العسل، وتستخرج الشّهد. وكلّ ربح من محبة النّاس لك هو ربح سخّره الله لك، وهو موصول برزقك السماويّ.

أما خلاصة القول التي أردتُ إرسالها بين طيّات هذه الكلمات فتستند على حقيقة مهمة يغفلها الكثير فأعمارنا سنوات معدودة يجب علينا ألا نفلتها في حوار عقيم، أو جدال لا طائل منه.

‏"لا تجادل الجاهل لأنه لن يفهم

‏ولا العنيد لأنه لن يقتنع

‏ولا المتحيّز لأنه لن يسمع

‏ولا الانتهازي لأنه سيستغل ما تقوله لصالحه".

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
رضا الحبيب
[ سيهات ]: 20 / 7 / 2025م - 4:53 م
المقال صادم من عنوانه لكنه صادق جدا في مضمونه. الحوارات مع بعض الناس تتحول لمعركة استنزاف والكاتبة عبرت عن هذا الإحساس ببراعة.
2
فاطمة خميس
20 / 7 / 2025م - 6:25 م
مع احترامي تمنيت عنوان المقال يكون أقل حدة لأن بعض القراء ممكن يتوقفون عنده وما يعطون المحتوى العميق فرصة للقراءة.
3
صادق
20 / 7 / 2025م - 7:08 م
فعلا مو كل الناس تصلح تتحاور معهم. الحوارات تحتاج عقل مفتوح ونفس طويل وبعضهم ما يملك لا هذا ولا ذاك.
4
بتول عبدالكريم
[ الحلة ]: 21 / 7 / 2025م - 10:58 ص
سلمت أناملك يا ليلى ربطتي بين فوضى الحوار وعجز التواصل وذكرتينا إن العمر أقصر من إنه يهدر مع من لا يريد أن يفهم.