حين تنتصر خطط المتربصين بحماقة الداخل
لقد نجح المتربصون بالإسلام والعرب والمسلمين نجاحًا باهرًا، لا لأنهم عباقرة في التخطيط أو يملكون قوى خارقة، بل لأن في الداخل من يسهّل لهم الطريق، بجهلهم، وعصبيتهم، وضيق أفقهم. العدو الخارجي لم يكن يومًا بحاجة إلى أكثر من أن يراقب، ويوجّه المشهد من بعيد، بينما يتولى ”الحمقى من الداخل“ مهمة التفتيت والانهيار بأنفسهم.
المتربصون لا يثبتون على طائفة ولا على حليف. يرجّحون كفة طائفة على أخرى لخلق اختلال في الميزان، ثم ينقلون الدعم للمهزوم، ويوهمونه بأنه المخلّص القادم، ثم يكرّرون الدورة. بهذه الطريقة يُعاد تشكيل الشرق الأوسط بشكل ناعم دون الحاجة لجيوش، بل بأدوات داخلية.
في كل مرة يُخدع فيها فريقٌ من الناس، تُداس فيها حقوق الأقليات، ويُقمع فيها صوت التنوّع، تُفتح ثغرة جديدة يتسلل منها الخارج، لا بدافع إنقاذ إنساني، بل لتحقيق مكاسب جيوسياسية محكمة. والمفارقة المحزنة أن الأقليات، بعد أن تتعرض للتضييق والتهديد، تبدأ بالتفكير بمنطق البقاء، فتبحث عن ملاذ آمن، حتى لو كان ذلك الملاذ في أحضان أعداء الأمس.
خذ على سبيل المثال ما يجري اليوم في سوريا: لو سُئل كثير من أبناء الطائفة الدرزية هل يفضلون الانضمام لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لوجدت من يرحّب، لا حبًا بها، بل كرهًا لوضع داخلي أرهقهم، ومجتمعات غابت عنها العدالة، وسُلط عليها الجهل والعنف باسم الدين والطائفة.
وهكذا، تتفكك دول المنطقة واحدة تلو الأخرى، ليس غزوًا بل انهيارًا ذاتيًا. سياسات تهميش، واضطهاد أقليات، وتبادل للأدوار والولاءات، حتى لم يعد الناس يثقون في الداخل، وبدؤوا يرون في الخارج، مهما كان شكله، خلاصًا مؤقتًا من عنف دائم.
ما لم يُكسر هذا النمط، وما لم يعلُ صوت العقل على صوت الغوغاء، فإن المشهد سيبقى في دائرة تدمير ذاتي، وخريطة الشرق الأوسط لن تكون كما عهدناها، بل كما خطّها الجهل، ورسمها العمى الطائفي.