آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 10:36 م

ضد الاستهلاك المفرط

المهندس أمير الصالح *

قد يُطرب أذن المتسوق لمصطلح أن السلعة الفلانية لها خاصية ممانعة ضد شيء ما، أي ضد الصدأ... ضد القشرة... ضد الانزلاق... ضد الاحتراق... ولهذا نرى عند شراء الحذاء، نبحث عن حذاء ”مقاوم للانزلاق/ مضاد لتسرب الماء“، أو عند شراء أواني المطبخ، تفتش عن جملة ”مقاوم للصدأ“، أو عند شراء أجهزة عبر الإنترنت، نشتريها عبر بطاقات تأمين بنكية لإحراز مفهوم ”المشتريات مؤمنة ضد السرقة“. ويزداد المشتري اطمئنانًا عندما يزوده البائع شهادة ضمان مصنعي كما في عملية شراء الدوبلكسات السكنية، حيث يتجاوز الضمان للهيكل عشر سنوات أو أكثر، مع جملة أن الأصباغ مقاومة للتقشر والسباكة مقاومة للتسريب، والضمان لمدة عقد أو أكثر.

ويلجأ بعض التجار المخادعين بعدما عجزوا عن أخذ أموال الزبائن بالطرق التقليدية؛

فيكون ذلك إما بالحيل التسويقية، أو الخداع البصري، أو تسليط الأضواء على إحدى المميزات وإخفاء جميع العيوب الأخرى، أو التسويق بالباطل، أو تحفيز جوانب الغرائز الحيوانية عند الترويج للسلع، أو استيراد سلع متهالكة وأدنى من المواصفات القياسية، أو عمل حملات تخفيضات وهمية... أو توظيف كلمة ”مقاوم ل“.

كأفراد مجتمع وأبناء وطن واحد، أضحى من المطلوب على الجميع أخلاقيًا واجتماعيًا ووطنيًا أن نشارك معلومات ونتداولها بين بعضنا البعض، ولو في نطاق الحي أو العائلة أو الزملاء، بالتحذير من السلع المغشوشة تارة، ومن التجار المدلسين والأشخاص المحتالين تارة ثانية، ومن أصحاب الأفكار التجارية الهدامة، ومن تجار الأفكار المنحطة تارة ثالثة... إلخ، عبر تفعيل المشاركة في خاصية ”قيّم الخدمة“ (Rate the service)؛ وتارة أخرى نأخذ المبادرة في التواصل مع الجهات المختصة في الإبلاغ عن المخالفات والغش والتدليس والتزييف والتستر والاحتكار والاحتيال. فكن يا عزيزي القارئ واعيًا وفطنًا، وحذّر من يعز عليك ممن يريد أن يستغفلك، أو يدغدغ مشاعرك، أو يهيج غرائزك الحيوانية، ويهدر وقتك لشفط أموالك، أو إلغاء دور عقلك، أو تغييب ضوابطك الأخلاقية؛ واجعل عقلك أرجح من عاطفتك عند إجراء أي نوع من أنواع المعاملات التجارية والمعنوية. بل حتى عند التسامر، أو التصادق، أو المصاحبة، أو التسوق، أو السفر، أو الحديث، أو العمل، أو إبرام الشراكة أو التجارة مع الآخرين، أو الاستثمار. فقد لوحظ في الآونة الأخيرة ازدياد عدد ضحايا الشفط المالي عبر الإنترنت والتطبيقات والمتاجر الإلكترونية، والترويج التسويقي، وتوظيف حيل نظرية ”نظرية اللعب“ (the game theory).

حيل بنماذج رياضية مبتكرة

قد يكون القليل من الناس مطّلعًا على نظرية ”نظرية اللعب“ (the game theory)، وفي الواقع أن صاحب النظرية جون ناش (John Nash) حصل على جائزة نوبل بسببها، وهي مادة أساسية مدرجة في التحصيل الأكاديمي لبعض كبرى الجامعات الغربية لمرحلة شهادة الدكتوراه. وتثير النظرية مفاهيم مثل:

• تكلفة التعادل (equilibrium)،
• مغالطة التكلفة الغارقة (sunk cost fallacy)،
• وهم ”العرض المجاني“.

مثال ذلك، ورد أن 90% من أرباح شركة سبوتيفاي (Spotify) ناتج من اشتراكات بريميوم (premium)، مع أن الأغلب يسجل في التطبيق بهدف الاستحصال على منصة صوتية تبث بودكاسته بالمجان! وكذلك قيل: إن شركات أخرى مثل يوتيوب (YouTube) تسجل أرباحها بتفعيل اشتراك خاصية إلغاء الإعلانات المزعجة (premium) في المادة الإعلامية المعروضة المراد مشاهدتها (Demand Through Inconvenience).

وكل تلك الأدوات وغيرها، أجادت كبرى الشركات استخدامها للسيطرة على قرار المستهلك العادي والتحكم إيماءً أو إيحاءً أو خنقًا بقراره. المضحك المبكي، يقال: إن صاحب النظرية اكتشف أنه غرق في شعور التكلفة بعد أن أمضى 4 سنوات في دراسته لبرنامج الدكتوراه في الاقتصاد واستنزف اقتصاديًا، وأنه لا ملجأ له بعد ذلك سوى الاستمرار في دراسته حتى التخرج!!

وليس بعيدًا عن الموضوع، استمرأ البعض شراء سلع استهلاكية بالتقسيط، وأضحى الأمر واقعًا ملموسًا، وعند البعض مشكلة مستفحلة. ويقال: إن أوامر التنفيذ المالي في المحاكم في تصاعد ملفِت، ويدق جرس الخطر اجتماعيًا، وقد يزيد معدل التشاحن بين أطراف اجتماعية مختلفة، كالمؤجر والمستأجر، في ميدان العقار. ولعل مجموعًا من الناس لا يُستهان بعددهم بلغ حد مشترياتهم الاستهلاكية الشهرية بالتقسيط يفوق حد مواردهم وإمكانياتهم المالية!

ختامًا، أشجّع أبناء المجتمع بتوجيه أي شخص مبتلى بظاهرة عدم الرشد في الإنفاق بالالتحاق بدورات تثقيف ضبط الإنفاق (ريالي)، وزيادة منسوب الوعي الاقتصادي، وقراءة المزيد من مقالات إثراء الوعي في جوانب الاقتصاد، والتنبيه من أساليب الإغواء والإغراء والاستدراج التسويقي. قال إمام أهل الحكمة علي : ”ما أكثر العبر، وما أقل المعتبرين!“. وقيل: خير المعتبرين من أخذ العبرة من دروس الضحايا؛ فاحرص ألا تكون أحد الضحايا، وكن من رواد أهل العظة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
نوال عبد الرسول
19 / 7 / 2025م - 11:22 م
حسيت إن الكاتب يمسك يدنا ويمشي فينا بين حيل التجار واحدة وحدة. اللي عجبني أكثر استخدامه لأمثلة واقعية زي سبوتيفاي ويوتيوب توصل الفكرة حتى للي ما له اهتمام بالاقتصاد.
2
فاضل الناصر
[ الأوجام ]: 20 / 7 / 2025م - 5:24 م
الكاتب نبه لنقطة خطيرة جدا: كيف بعض التجار يثيرون “الغرائز الحيوانية” لتسويق سلعهم. هذه العبارة صادمة لكنها واقعية جدا خصوصا لما نشوف الإعلانات المبتذلة المنتشرة على وسائل التواصل.
3
زهراء سلمان
[ سيهات ]: 20 / 7 / 2025م - 10:37 م
أنا أتابع أستاذ أمير من زمان وكل مقال له يعلي عندي مستوى التفكير . أتمنى يألف كتاب صغير أو كتيب توعوي يجمع هالمقالات المهمة بتكون مرجع ممتاز.