الشخصيات الصعبة… إلى متى؟
لفت انتباهي مؤخرًا مقطع بسيط شاهدته على السوشيال ميديا، يتكلم عن الشخصيات الصعبة وتحديدًا عن أولئك الذين ”يُبطّون الجبد“ كما نقول، الشخصيات التي بدلًا من أن تدعمنا أو تقدم لنا حلولًا حين نمرّ بظرف معين، تنهال علينا باللوم والتشكيك والانتقاد.
على سبيل المثال، عندما أخبر أحدهم أنني أجريت عملية لتصحيح النظر وأنني ما زلت متعبة منذ إجراء العملية، يكون رده:
”ليش تسوينها من الأساس؟“
بدل السؤال عن صحتي أو يهنئني بالسلامة.
في البداية كنت أتساءل:
هل يجوز لي أن أردّ على هذا النوع من الأشخاص بالطريقة ذاتها؟
هل من الحكمة أن أطبّق نفس الأسلوب؟ أن أُحمّله مسؤولية تصرفاته حين يشكو لي من أمر ما؟
لكن الحقيقة أن استمرارنا في الرد بنفس الأسلوب لا يُفضي إلا إلى إعادة تدوير نفس الدائرة السامة.
لماذا يصعب التعامل مع هذه الشخصيات؟
لأنها لا تتيح مساحةً للشعور بالأمان في العلاقة.
كل ما يُقال قد يتحوّل إلى مادة للمحاكمة، وكل قرار تتخذينه يُستدعى للنقاش، حتى وإن كان قرارًا شخصيًا بحتًا.
تشعرين معهم وكأنك في موقع دفاع دائم…
تُضطرين إلى التبرير والشرح وتقديم عشرات التفسيرات لمجرّد أن يُفهم موقفك.
مثال من الواقع:
صديقة حكت لي مرة إنها تركت وظيفتها لأنها كانت تمرّ بأزمة نفسية وتحتاج راحة.
ردت عليها إحدى من قريباتها وقالت: ”يعني تركتي شغلك؟! ومرتبك؟ وشلون تفكرين كذا؟!“
بدل أن تقول: ”أهم شيء صحتك وراحتك الله يعوضك بالأفضل.“
الفرق بين الردّين لا يكمن في الأسلوب فحسب، بل في الإنسانية وصون المشاعر.
فما الحل إذًا؟
الحل لا يكون في مجاراتهم، ولا في الغضب منهم، بل في وضع حدود واضحة وقوية.
حين نشعر أن الطرف الآخر لا يُنصت، بل يهاجم أو يُشكّك فحسب، فمن حقّنا أن نُنهي الحوار بكل بساطة.
ومن حقّنا أيضًا أن نرد بجملة موجزة وواضحة:
”أنا شاركتك عشان أفضفض، مو عشان يُناقشني أحد أو يلومني.“
أو حتى أن نُغيّر الموضوع، أو ننسحب بلُطف.
وبعدها، نعيد تقييم مكانهم في حياتنا.
هل هم يستحقون قربنا فعلًا؟
أم أننا اعتدنا تحمّلهم؟
إلى متى؟
إلى أن نصل إلى قرار نعيش فيه براحةٍ وطمأنينة.
إلى أن ندرك أن السلام الداخلي لا يُساوَم عليه، ولا يُرتهن بأمزجة الآخرين.
نختار الاقتراب ممن يفهمنا، لا ممن يُحاكمنا.
نختار الراحة، ونُبعد عن قلوبنا كل لوم وتشكيك.
فالعلاقات السامة لا مكان لها… ينبغي أن تُمحى من حياتنا فورًا.