آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 10:36 م

الامتثال الصحي: قيم وطنية ومعايير عالمية

عاطف بن علي الأسود *

في ظل التطور المتسارع الذي يشهده القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية، استطاعت الدولة أن ترسّخ نموذجًا فريدًا في الجمع بين الالتزام المهني الصارم بمعايير الجودة الطبية العالمية، وبين الحفاظ على القيم الدينية والاجتماعية الأصيلة التي تُشكّل نسيج المجتمع السعودي. ويُعدّ التزام الكادر الصحي، لا سيما في المستشفيات الحكومية والعامة، بارتداء الزي الطبي المعقّم أحد أبرز مظاهر هذا التوجه، حيث يُسهم هذا الإجراء الوقائي في تقليل احتمالية انتقال العدوى داخل المرافق الصحية، وهو ما يتوافق مع المعايير المعتمدة من الجهات الدولية والوطنية مثل المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية «سباهي» وهيئة الاعتماد الدولية «JCI».

ما يُميز هذا النموذج السعودي هو قدرته على تحقيق هذا الامتثال المهني دون الإخلال بالهوية الدينية والاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بمكانة المرأة السعودية العاملة في القطاع الصحي. فرغم أن بعض الدول تشترط نزع الحجاب أو النقاب داخل المرافق الطبية لأسباب تنظيمية أو طبية، فإن سياسة المملكة لا تُلزم العنصر النسائي بزي محدد، وإنما تترك للمرأة حرية اتخاذ ما تراه مناسبًا في ظل بيئة مهنية تراعي متطلبات السلامة، وتحترم خصوصية المجتمع. وهذا يُجسد بوضوح الثقة التي تمنحها الدولة للمرأة السعودية، ووعيها العالي في التوفيق بين ما يتطلبه العمل وبين ما يمليه الالتزام الديني والاجتماعي.

ويظهر أثر هذا التوازن في الأداء المشرّف للكوادر الصحية النسائية، اللاتي أصبحن نموذجًا مشرفًا في تقديم الرعاية الصحية باحترافية عالية، وهو ما أكدته تقارير ”سباهي“ و”JCI“ التي أشادت بجودة الأداء والالتزام في العديد من المنشآت الصحية داخل المملكة. هذه المعايير التي تحرص وزارة الصحة على تحقيقها لا تتعلق فقط بالمظهر أو التنظيم، بل تُعدّ جزءًا من منظومة متكاملة لرفع مستوى الخدمة وتحقيق رضا المستفيد.

ولا يقتصر أثر الالتزام بالزي الطبي المعقّم على الجانب المهني أو المجتمعي فحسب، بل يمتد إلى الجانب الاقتصادي بشكل مباشر. فالوقاية من العدوى المكتسبة داخل المرافق الصحية تُعدّ أحد أهم عناصر خفض التكاليف الصحية، إذ تُقلل الحاجة إلى العلاج الإضافي، والإجراءات التعويضية، وتُخفف العبء على الأنظمة الصحية. وهذا ينسجم مع أحد أهم مستهدفات رؤية المملكة 2030 في جانب الاقتصاد الصحي، والمتمثل في رفع كفاءة الإنفاق وتحقيق الاستدامة المالية دون التأثير على جودة الرعاية المقدمة.

إن ما يُطبق اليوم داخل المرافق الصحية في المملكة من التزام بالزي الطبي المعقّم، وتطبيق صارم لإجراءات الوقاية، يعكس وعيًا مؤسسيًا وفرديًا بمفهوم الجودة الشاملة في الخدمة الصحية. والأهم من ذلك، أن المملكة استطاعت أن تُحقق هذا التقدم دون أن تُفرّط في ثوابتها الدينية والاجتماعية، بل صاغت نموذجًا فريدًا يجمع بين الأصالة والحداثة، بين المهنية والهوية، وبين الالتزام والمسؤولية. وقد كان للعنصر النسائي دور محوري ومشرّف في هذا التوازن، حيث أثبتت المرأة السعودية في القطاع الصحي أنها قادرة على الأداء بكفاءة، مع احترام الضوابط، والتكيّف الذكي مع مقتضيات العمل ومتطلبات المجتمع.

إن ما تبنّته المملكة من سياسات توازن بين المهنية والخصوصية المجتمعية، لم يكن خيارًا تنظيميًا فقط، بل هو استثمار صحي واقتصادي طويل المدى. فالحدّ من العدوى داخل المرافق الطبية لا يحمي الأرواح فحسب، بل يُسهم بشكل ملموس في خفض الإنفاق الصحي عبر تقليل المضاعفات الطبية والعلاجات الإضافية، ما يرفع من كفاءة الأداء ويُعزز الاستدامة المالية للقطاع.

وهكذا، تُثبت المملكة أن التطور لا يعني التخلي عن القيم، وأن جودة الرعاية الصحية لا تنفصل عن احترام الإنسان، وأن ما نُنجزه اليوم على أرض الواقع هو جزء من رؤية حكيمة تهدف إلى جعل الصحة ركيزةً للتنمية، والإنسان في قلب التنمية.

دراسات عليا اقتصاد صحي