آخر تحديث: 30 / 7 / 2025م - 3:00 ص

الأساليب قاتلة ومكافِئة

سلمان العنكي

الأفكار متميّزة المستوى، متباينة المخارج، مختلفة التقييم، يصعب معرفتها على غير المخالطين لشرائح المجتمع. بمهارة الصحيح، ما تقرؤه بعقلك وتعرضه على تجاربك، ثم تقارنه بها، بعدها تأخذ قرارك؛ لأنّه الواقع الذي يُفترض العمل به، لا ما تراه بعينٍ موصدةٍ مطبقةِ الجفون وتصرّ على تنفيذه بتعجُّل.

يُنقل أن مَلِكًا رأى في المنام أسنانه تتساقط الواحد تلو الآخر، حتى فقدها جميعها. أزعجته الرؤية، فطلب مفسر أحلام مثل بين يديه. قصّ عليه رؤياه، فأجابه قائلاً: ”جميع أهل بيتك يموتون وتبقى بعدهم وحيدًا“. غضب بشدة، وأمر بقتله، متشائمًا من أخباره عما يجري على أحبابه.

وجيء بثانٍ، فقال له كما في الأولى، لا زيادة أو نقصان، وكان الردّ مضمونه تمامًا كما في الأولى؛ لكن بطريقة مغايرة: ”أبشّرك أيها الملك خيرًا، ستكون أطول أهل بيتك عمرًا“. ظهر الفرح والسرور على محيّاه مستبشرًا، وأعطاه مكافأة لما أدخله عليه من سرور وارتياح.

لو تتبعنا تعبير المفسّرَين نجده واحدًا: ”طول عمر الملك“. إنما العبارة لعبت دورًا محوريًا: في الأولى أنتجت قتلًا، وفي الثانية تكريمًا. وإلى يومنا هذا، نتلقى الإجابة: ”المقصد لا يختلف“، الوسيلة الناقلة—من يحدد مفهومنا؟ كذلك حكمنا المتسرّع: أحيانًا يكون سلبًا وهو إيجاب، والعكس لا يُستبعد، لأنه قبل إكمال القراءة، والتدقيق، والتريث، واستشارة أصحاب الشأن فيما يلزم، وقد اعتاده الكثير منا.

نتأذّم من ”عمرو“، نستهجنه، ونمتدح ”زيدًا“، نشيد به. المقولة قد تكون مطابقة، لكن فينا من يقرأ ببصيرة، ومن لا يبصر بعقله. الكلمات تكمن معانيها في النقاط والحركات التي توضع على الحروف، كلٌّ حسب ظنونه وما يتخيل. لهذا، علينا أن نكون بارعين في اختيار الألفاظ المثلى عند مخاطبة القوم؛ وهو فن لا يتقنه ويجيده إلا من اطّلع على الثقافات والمصطلحات والأعراف المتبعة.

”لا تدّعِ فهمًا، ومن يَعنيهم قولك يتكلفونه أو يحرفونه“.

عجزك عن فروقات أبناء مجتمعك العقلية يجعلك غير قادر على تحقيق نجاح، فتضع نفسك في خانة الفضوليين.

في مجال الطب، مثلاً، نجد من يتحسّس آلام مرضاه، يداعب المصاب بالخطير المستعصي بمرونة، يطمئنه، يرجّيه في الشفاء، أو تقبّله كمحتوم يتعايش معه. وهناك من يفاجئه بصدمة مميتة، فيضيف إليه حالة نفسية أكثر من عضوية. شتّان بين الأسلوبين. ويتعدى هذا إلى بلاغ محزن عن الأولاد لوالديهم، أو للزوج والزوجة والإخوان والأعزّاء؛ يجب أن ننقل الحادثة مخففة، فيها مواساة بالصبر، وتهيئة بمقدّمات كلما أمكن، لا بقسوة وشدة وتهويل. من تعنيه يمر بظروف استثنائية متعبة، تزيد بلواه عند إسماعه على حين غفلة.

وفي حال إصلاح ذات البين، كم أفسد مصلح جاهل، لتدخله بين أطراف على غير دراية بتباعد مداركهم.

”إن كنت عاجزًا عن إبلاغ رسالة تفي بالغرض، اتركها، وأعطِ القوس باريها.“

كيف تنقذ غريقًا وأنت مقطوع اليدين؟ أو تعالج سقيماً ولست حكيمًا؟ أم كيف تبني مسجدًا قبل أن تفي ديونًا عليك؟

فاقد الشيء محتاج من يعطيه.

﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ تَوْبَةَ الْمُتَابِينَ [التحريم - 8]