آخر تحديث: 30 / 7 / 2025م - 3:00 ص

السيرة أطول من العمر

فوزية الشيخي *

”السيرة أطول من العمر“.. حكمة قديمة صادقة، لأن العمر ينتهي مهما طالت به السنون، أما السيرة الحسنة والغرس الطيب فيتفوقان على حسابات الأيام، في القلوب، ويبقيان ويخلدان.

من يزرع الخير يحصد ثماره بلا شك بالذِّكر الطيب الحسن، لتبقى سيرة ذلك الإنسان أطول من عمره حتى بعد رحيله من الدنيا، فالجميع راحلون، لكن القليل من يترك سيرة طيبة تعيش لأزمان.

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

دقّات قلبِ المرء قائلةٌ لهُ"
إن الحياةَ دقائقٌ وثوانِ

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذِّكرُ للإنسانِ عمرٌ ثانِ"

هذه الحكمة التي تناقلها الناس تجسِّد فعليًا أن السيرة الطيبة تدوم بالأفعال حتى بعد الرحيل، أو كما قال الرافعي:

”لكل امرئٍ أجلٌ منتظر، ويبقى من الذاهبين الأثر“.

والسيرة الطيبة كالأشجار الثابتة والمتجذّرة في أعماق الأرض، لا تنمو سريعًا، لكنها تبقى طويلًا.

حياة أي إنسان على أي أرض تُقاس بحجم العطاء والعمل، وليس بطول الأيام التي تُعاش، فاصنع في حياتك جميلًا يبقى أثره، ويكون ملازمًا لاسمك على طول السنين.

نسمع كثيرًا في حياتنا عن أشخاصٍ رحلوا عن عالمنا هذا، ولكن تبقى سيرتهم العطرة خالدة، كما نسمع عن أناسٍ رحلوا عن عالمنا أيضًا، ولكن لم يذكرهم أحد،

وذلك بسبب سوء أفعالهم، وزرعهم الذي زرعوه في دنياهم لم يكن زرعًا مثمرًا، بل كان على العكس تمامًا، لذلك لم يحصدوا بعد رحيلهم ذِكرًا يبقى لهم شاهدًا.

لكل إنسان الحرية المطلقة في زراعة ما يرغب ويحب، لكن ليس له الحرية مطلقًا فيما سيحصد، ولا يملك حقّ تغيير نوعية حصاده.

لا أكاد أستوعب كيف لنا كبشر، نعلم جيدًا أننا في يومٍ ما سنغادر هذه الدنيا، شِئنا أم أبينا، كيف تكون لنا القدرة على الظلم أو إيذاء الآخرين بشكلٍ أو بآخر، ونحن نعلم بهذه الحقيقة المؤكدة؟

من الجميل أن نحيا ونعيش بالمحبة والألفة، وطيب العِشرة، والرحمة فيما بيننا،

وأن نجتهد في زراعة بذور الأثر الدائم لحياتنا من القيم والمبادئ والأعمال الصالحة والتعامل الحسن، وألّا نكون سببًا في حزن أو قهر أي كائن على وجه الأرض.

كفى بالمرء نُبلًا أن تُعدّ معايبه،"
أن يرحل وأكتافه خفيفة،

لا تُثقلها حقوق العباد،
ولا تتعلّق بها مظالمهم."

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
أميرة الصفواني
[ صفوى ]: 16 / 7 / 2025م - 12:39 م
فعلا أشخاص كثير مروا في حياتنا ومو كلهم نذكرهم بخير. أثر الإنسان ما ينكتب في شهادات ولا ألقاب ينكتب في قلوب الناس.
2
عبدالعزيز حسن
[ سنابس ]: 16 / 7 / 2025م - 2:50 م
“أن يرحل وأكتافه خفيفة” يا له من تعبير! فوزية أبدعتي هالجملة بالذات تختصر كل معاني العدالة والنقاء
3
أحمد آل مبارك
[ الأوجام ]: 16 / 7 / 2025م - 5:23 م
أقولها من واقع تجربة: سيرة الطيب ما تنطفي. أعرف ناس فقرا وبسطا بس ذكرهم أطيب من عطر. جزيل الشكر للكاتبة.