آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

انتهاكات متواصلة للقانون الدولي

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

بعد عملية جراحية ناجحة أجريتها في القاهرة عدت إلى المنزل مجدداً، لمتابعة ما يجري من أحداث جسام في ربوع العالم. ففي المنطقة العربية، تتواصل العربدة الإسرائيلية، بحق أهلنا في فلسطين، بقطاع غزة والضفة الغربية، ويقوم المستوطنون الإسرائيليون باقتحامات متكررة، للمسجد الأقصى. ويوسع جيش الاحتلال قضمه للأراضي السورية، لتشمل الجولان كله، بما في ذلك مدينة القنيطرة، التي دفع الجيش السوري آلافاً مؤلفة من الشهداء لتحريرها في معركة تشرين/ أكتوبر عام 1973. وتقدر مصادر محايدة ما تم احتلاله من الأراضي السورية بأكثر من 600 كيلومتر مربع.

أما في لبنان، حيث جرى الإعلان عن وقف شامل لإطلاق النار، في فجر الأربعاء، الموافق 27 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، بين إسرائيل والحكومة اللبنانية، لمدة ستين يوماً، وبوساطة ورعاية أمريكية وفرنسية، وتأييد عربي واسع، التزم به اللبنانيون، فيما واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبشكل يومي ومتعمد خرقه جنوباً وشمالاً وشرقاً وصولاً إلى بيروت. وخلاله، تسلمت المؤسسات الثلاثة، بالدولة اللبنانية، الرئاسية والحكومية والدستورية، مهام متابعة وقف إطلاق النار، والتفاهم مع المؤسسات الدولية حوله، بما يشمل اليونيفيل، والأونروا، وهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي.

الاتفاقات التي يوقع عليها الإسرائيليون لا تساوي من وجهة نظرهم قيمة الحبر المكتوب بها، لصياغتها، وفي النهاية هي مجرد حبر على ورق. والمجتمع الدولي يقف عاجزاً عن اتخاذ أي قرار يلجم الغطرسة الإسرائيلية، فاليانكي الأمريكي لا يقدم لها الدعم السياسي والعسكري فقط، بل يحول بسيف «الفيتو» الممنوح له بمجلس الأمن الدولي دون صدور أي قرار أممي بإدانة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على المدنيين في غزة، والذين تقدر مصادر وزارة الصحة بالقطاع أعدادهم بأكثر من ستين ألفاً من القتلى، وأربعة أضعاف أمثالهم من الجرحى، معظمهم من المدنيين، أطفالاً ونساء وشيوخاً.

وذات السلوك ينسحب على الدور الأمريكي في نصرة إسرائيل في عربدتها على الأراضي اللبنانية، رغم كونها الراعي، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، لضمان استمراريته من الجانب الإسرائيلي.

لقد التزمت الحكومة اللبنانية بقرار وقف إطلاق النار، حتى الوقت الراهن، دون خرق واحد له، منذ توقيعه، رغم أن القانون الدولي وشرعة الأمم تكفل لهم حقهم في الدفاع عن أنفسهم بمختلف الوسائل التي يمتلكونها، بما في ذلك حق الرد على إطلاق النار. وهذا الحق مكفول أيضاً للسوريين الذين تعرضوا لضربات قوية وفتاكة من قبل الجيش الإسرائيلي.

إن الغضب العالمي آخذ في النمو، على المستويين الرسمي والشعبي. شمل هذا الغضب محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية. وتسلل إلى قلب المدن الأمريكية في نيويورك، وواشنطن، وديترويت، ولوس أنجلوس. كما تسلل إلى دول الاتحاد الأوربي. لقد فقدت إسرائيل بريقها، وهو البريق الذي روج له الإعلام الغربي على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط. وباتت الآن على المستوى الشعبي، وبشكل واسع، دولة منبوذة، تمارس حرب الإبادة والتجويع بحق المدنيين، من النساء والأطفال والمسنين، وتنتهك كل القوانين والمواثيق الدولية، ومعها شرعة الأمم المتحدة.

هناك مشاكل أخرى كبرى يواجهها العالم، كالحرب الروسية على أوكرانيا التي مضى عليها حتى اللحظة نحو ثلاثة أعوام، والصراع التجاري المحتدم بين الولايات المتحدة من جهة والصين وبقية دول العالم من جهة أخرى، والحرب في السودان بين الجيش وقوات التدخل السريع، والصراع في اليمن، ومعالجة هذه القضايا، فرادى أو مجتمعة، بحاجة إلى إرادة دولية، لعل الأهم فيها هو إعادة تشكيل هيكلة النظام الدولي، الذي مضى على تأسيسه قرابة ثمانين عاماً، ولم يعد قادراً على مواجهة المشاكل التي يواجهها العالم.

وبالنسبة للقضايا الخاصة بالعرب فإن الثقل الاقتصادي والسياسي للأمة ينبغي أن يستثمر في صيانة أمنها القومي، والدفاع عن وجودها. وما لم يسهم العرب جميعاً، حكاماً ومحكومين، في حماية أمتهم من التذرر فعلينا انتظار المزيد من التشظيات والانهيارات.