ما مدى تطابق التوائم المتطابقين؟

Just how identical are identical twins?
June 25,2025
كما ورد في اللغة العربية، التوأم يعني طفلين تكونا في رحم أمّهما في نفس الحمل.
أساطير وخرافات قد أحاطت بالتوائم ومدى تشابههم على مدى قرون. في هذا التقرير، نبين كيف تتكوّن التوائم، ومدى تشابههم في الواقع، وماذا بالإمكان أن نتعلمه من التوائم فيما يتعلق بصحة الإنسان.
من رومولوس Romulus وريموس Remus - وهما أخوان توأم في الميثولوجيا الرومانية أسّسا مدينة روما [1] [2] - إلى الأختين التوأم الأستراليتين باولا Paula وبرغيت Brigette باورز Powers اللتين تتكلمان تزامنيًا [3] ، لطالما كانت التوائم المتطابقة (المتماثلة) مصدرًا نستلهم منها الافتتان والخيال.
في المدارس، من كان منا من غير التوائم يغار من التوائم المتطابقين، وذلك لأنه باستطاعة التوأم تبادل الأدوار في المهمة الموكلة لأحدهما، وبذلك يستطيعان الاحتيال على معلميهما أو والديهما.
في مركز أبحاث التوائم في أستراليا، نعمل على 75,000 توأم لمعرفة المزيد عن أوجه التشابه والاختلاف بينهم، ومدى ارتباط ذلك التشابه بالصحة.
مؤخرًا، اشتركت أنا وزميلتي البروفيسور سارة ويلسون في البرنامج التلفزيوني ”التوائم الأكثر تطابقًا في أستراليا،“ حيث تخوض 100 مجموعة توائم اختبارات وتحديات للفوز بلقب أكثر التوائم تطابقًا في البلد.
إذن، من الناحية العلمية، كيف تتكوّن التوائم المتطابقة؟ ما مدى تشابهها؟ وماذا يمكن أن تخبرنا به عن الجينات والبيئة والتنمية البشرية؟
تتكوّن التوائم المتطابقة، المعروفة أيضًا باسم التوائم أحادية الزيجوت [4] ، عندما تنقسم بويضة مخصبة واحدة، تُسمى الزيجوت، إلى جنينين.
خمسة اكتشافات يرجع الفضل فيها إلى التوائم [5]
يحدث انقسام البويضة عادةً في الأسبوعين الأولين بعد انعقاد الحمل، ويؤثر توقيت الانقسام على ما إذا كان التوأم يتشاركان في المشيمة أو الكيس الأمنيوسي [6] .
يؤدي الانقسام في أول الحمل إلى نمو جنينين منفصلين عن بعضهما [أو أكثر من جنين]. أما الانقسامات اللاحقة فقد تؤدي إلى توأم يشتركان في نفس المشيمة أو الكيس الأمنيوسي - أو في حالات نادرة، إلى توأم ملتصق (توأم سيامي) [7] .
لسنوات طويلة، اعتقد الباحثون أن هذه هي عملية ”انشطار“ في البويضة أو انقسام بسيط. لكن النظريات المتأخرة تشير إلى أن الصورة أكثر تعقيدًا مما كان يُظن.
اقترح بعض الباحثين أن مجموعتين خلويتين [متصلتين ببعضهما وتعملان معًا] تتطوران بشكل مستقل داخل جنين واحد، بدلًا من الانقسام [8] .
لكن الآلية الدقيقة لا تزال غير واضحة.
التوأم المتطابقان، مثل باولا وبريدغيت باورز، واللتان قضيتا كل لحظة تقريبًا من حياتهما معًا، غالبًا ما تفيدان أن لديهما إحساسًا أو شعورًا مشتركًا، وهو ما يعرف بـ (”twintuition“) [9] - أي القدرة التي يملكها الواحد منهما على معرفة ما يفكر فيه الآخر أو ما يشعر أو يحس به أو يفعله.
في بعض الأحيان، يؤدي هذا إلى تزامنهما التام في الكلام.
من السهل تفهّم سبب تسمية الناس له على أنه نوع من ”التخاطر بين التوأم“ [ولو أن التخاطر على مستوى الدماغ وقد لا يتجسد كسلوك، لكن في حالة twintuition يتجسد في السلوك].
ولكن يصعب تفسير هذه الظاهرة حين لا يكون التوأم في نفس الغرفة معًا وإنّ الواحد منهما يشعر أو حتى يرى ما يشعر به أو يراه توأمه الآخر.
حين اختبرنا هذه القدرة في أستراليا، وجدنا نتائج مذهلة - ولكن يمكنك أن تقرر بنفسك ما إذا كانت هذه الظاهرة حقيقية بالفعل.
يُقال غالبًا إن التوائم المتطابقين تشترك في 100% من حمضها النووي. بالرغم من أن هذا صحيح في الغالب، إلا أن التكنولوجيا الوراثية الحديثة تكشف عن سردية أكثر تفصيلًا [10] .
بعد انقسام الجنين [عملية فصل خلايا الجنين في مرحلة مبكرة من التطور إلى عدة أجنة منفصلة]، قد تحدث تغيرات طفيفة - تُسمى طفرات ما بعد الزيجوتية [الطفرات ما بعد الزيجوتية هي تغيرات في الحمض النووي تُكتسب من مرحلة الزيجوت أو البويضة المخصبة (مرحلة ما بعد اندماج البويضة والحويمن لتكوين خلية ثنائية تدعى لاقحة) فصاعدًا وتمتد بامتداد العمر. تؤدي هذه التغيرات إلى اختلافات في تسلسل الحمض النووي بين خلايا الفرد، مما قد يُسهم في تسبيب اضطرابات معقدة. [11] [12] ] - في واحد من التوأم، ولكن ليس في توأمه الآخر.
عادةً ما تكون هذه التغيرات غير ضارة، لكنها تعني أنه لا يوجد توأم متطابقان تطابقًا تامًا على مستوى الحمض النووي.
هذه الاختلافات الجينية لا تكاد تُلاحظ - مجرد اختلاف في بضعة حروف من بين ثلاثة مليارات حرف في الحمض النووي DNA, لكنها قد تؤثر على السمات أو احتمال الإصابة بمشكلات صحية، خاصةً إذا أثرت في الجينات التي تنظم النمو أو الاستجابات المناعية.
يساعد هذا في تفسير سبب إصابة واحد من التوأم بحالة مثل السرطان أو التوحد بينما لا يُصاب بها توأمه الآخر.
كيف يُساهم التخلق المتعاقب أو فوق الجينية (epigenetics) [13] في الاختلافات بين التوائم المتطابقين؟
التخلق المتعاقب أو فوق الجينية يعني العلامات الكيميائية الموجودة على الحمض النووي، والتي تُساعد في التحكم في الجينات التي تعمل (تُفعَّل) أو تُعطَّل.
لا تُغير هذه العلامات الحمضَ النووي نفسه، ولكنها تؤثر في كيف تقرأه الخلايا. الأنماط فوق الجينية تتأثر بعوامل مثل النظام الغذائي، والتوتر النفسي، والتلوث، وصحة الأم أثناء الحمل.
عند الولادة، يمتلك التوأم المتطابقان سمات جينية متطابقة تقريبًا. ولكن بمرور الزمن، تظهر اختلافات بينهما.
قد يمارس واحد من التوأم تمارين رياضية أكثر، أو يتناول طعامًا مختلفًا، أو يتعرض لضغوطات نفسية مختلفة من توأمه الآخر.
هذه التجارب والممارسات تُغير سمات التوأم الجينية، مما يؤثر بدوره في التعبير الجيني [13] . بعد مرور سنوات، يمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى اختلافات في الشخصية، أو الصحة، أو مدى استجابة كل من التوأم للأدوية [15] .
عوامل أخرى تساهم في إحداث اختلافات بين التوائم المتطابقين
حتى قبل الولادة، قد تختلف حالات نمو التوائم اختلافًا كبيرًا [بسبب العوامل التي تُشكل سماتهما العقلية والجسدية. التوأم المتطابقان اللذان نشآ معًا يشتركان في جيناتهما وبيئاتهما. بيد أنه لا يزال هناك اختلافات جلية بينهما [16] ]. على سبيل المثال، موضع انغراس كل جنين في الرحم [لو حدث الانقسام قبل وصول البويضة المخصبة إلى الرحم [15] ] يؤثر في كمية تدفق الدم والتغذية التي يتلقاها كل منهما، مما قد يؤثر في وزنهما ونموهما عند الولادة.
التنبؤ باحتمال الإصابة بالسرطان من خلال تصوير الثدي بالأشعة السينية قد يُحدث ثورة في مجال الفحص الأولي لهذا النوع من السرطان.
يُعرف هذا بالتباين النمائي. وهو سبب رئيس للاختلاف بين التوأم المتطابق جينيًا. [يشير التباين النمائي إلى الاختلافات الطبيعية في كيف ينمو كل واحد من التوأم بدنيًا وحركيًا، وإدراكيًا، واجتماعيًا، وانفعاليًا. بسبب التأثر بالعوامل الوراثية والبيئية (فوق الجينية) [17] ].
الجينات أشبه ببرنامج جيني، لكن البيئة والصدفة العشوائية يمكن أن تؤثر في كيفية تجسد هذا البرنامج في الحياة [وتأثيره في نفسيتنا وسلوكنا طوال حياتنا، وفي سماتنا الشخصية ودرجة ذكائنا وحتى طريقة إدراكنا لما حولنا [18] ].
هناك اعتقاد شائع بانتقال التوائم المتطابقين وراثيًا في النسل، لكن هذا غير صحيح.
التوائم غير المتطابقين (ثنائي الزيجوت)، من بويضتين منفصلتين، قد ينتقلان بالوراثة [19] ، خاصةً إذا كانت الأم مهيأة لإفراز أكثر من بويضة في المرة الواحدة.
عادةً ما يحدث الحمل بالتوأم المتطابقين بشكل عشوائي وبمعدل ثابت في كل العالم - حوالي ثلاثة إلى أربعة لكل ألف ولادة - بغض النظر عن العرق أو التاريخ العائلي.
هناك بعض الأدلة على أن تقنيات الإنجاب بالمساعدة [20] (مثل التلقيح الصناعي) قد ترفع بشكل طفيف من فرص إنجاب توأم متطابقين [21] .
لا يصاب التوأم المتطابقان دائمًا بنفس المشكلات الصحية. قد يُصاب أحدهما بالربو أو السكري أو الاكتئاب، بينما يبقى توأمه الآخر بصحة جيدة.
قد تنشأ هذه الاختلافات من عوامل فوق جينية، أو من تجارب حياة خاصة بكل منهما، أو من اختلافات في طريقة تطور ونمو التوأم في الرحم.
على سبيل المثال، إذا تلقى واحد من التوأم عناصر مغذية أثناء الحمل أكثر من الآخر، فقد يؤثر ذلك في احتمال إصابته بأمراض القلب أو السمنة في وقت ما في حياته.
يمكن أن تؤثر العدوى والأدوية والصدمات النفسية على واحد من التوأم دون الآخر. هذه الاختلافات تبين لنا مدى أهمية البيئة والتوقيت في التأثير في الصحة [15] .
تُعدّ دراسات التوائم وسيلة فعّالة لدراسة العوامل التي تُشكّل البيولوجيا البشرية. فبمقارنة التوائم المتطابقين وغير المتطابقين، يُمكن للباحثين تقدير مدى تأثير العوامل الوراثية والبيئية في سمات كل واحد من التوائم.
وعلى وجه الخصوص، تُتيح دراسات التوائم المتطابقين للباحثين استنباط الأسباب والنتائج (العلة والمعلول).
تُجري مؤسسة أبحاث التوائم الأسترالية [24] ، ومقرها في جامعة ملبورن، هذه الدراسات منذ أكثر من 40 عامًا. وقد كشفت نتائج دراسات المؤسسة عن علاقات جينية بسرطان الثدي والصرع [24] ، كما أثبتت مدى تأثير نمط الحياة في شيخوخة الدماغ.
كما ساعدتنا على فهم مدى تأثير العوامل الوراثية في التعلم والذاكرة والصحة النفسية.
تُمثل دراسات التوائم نافذة قيّمة على العوامل المؤثرة فينا
في وجود أكثر من 35,000 توأم في قاعدة بياناتها، تُساعد مؤسسة أبحاث التوائم الأسترالية في الإجابة على بعض أهم أسئلة الحياة - المتعلقة بالصحة والشخصية وكيف تتشكل هويتنا.
الجواب هو: لا يوجد توأم متطابقان كما قد يعتقد.
من التغيرات الجينية الطفيفة إلى أحداث التطور والنمو العشوائية (عبر الطفرات الجينية)، فالتوأم المتطابقان قد يتشابهان ويتمايزان في آن واحد.
إن هذه الاختلافات البسيطة - وأوجه التشابه القوية بين التوأم - هي ما تجعل دراسات التوائم نافذة قيّمة على ما يميزنا. وهذا بالضبط ما يُخبرانا به نفس التوأم المتطابقان.