آخر تحديث: 30 / 7 / 2025م - 3:00 ص

بّشِروا ولا تُنَفِروا

جمال حسن المطوع

أثار أحد الأخوة الأفاضل موضوعًا في غاية الأهمية يستدعي الطرح والمناقشة والحوار، عندما أثار ملاحظات ذات أبعاد منطقية ولها اتصال مباشر بالمتلقي، ينتج عنه تساؤل: لماذا يُصر بعض الوعاظ في خطابهم التوعوي أو الإرشادي على التركيز دائمًا على الجانب الأخروي وأهواله، ليُرسم صورة قاتمة تشاؤمية سوداوية على المتلقي، ويُذكره دائمًا بالموت الذي لا مفر منه، وما ينتظره من حساب وعقاب ووعد ووعيد، ليُثير الهلع والفزع في نفوس سامعيه؟ بل يرسم ويصور ما ينتظرهم من مصير فيه من الأهوال الشدّاد، ليخلق اليأس وفقدَ الأمل من رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شيء، لتشمل كل مقصر ومتهاون في أداء واجباته الدينية، ولكن كما نعلم أن هناك فسحة من الأمل في الرحمة والغفران الإلهي. نَسوا وتناسوا هؤلاء الدعاة الجانب المشرق، عندما يُوفَّق العبد إلى حياة من التكامل الروحي والإيماني، وما يناله من الأجر والثواب العظيمين. فلماذا التركيز دائمًا على الجانب المظلم، وتضخيمه، وتخويف الناس، وتذكيرهم دائمًا بالموت وما ينتظرهم؟

ونَسوا هؤلاء الجانب المشرق من مباهج ونعم وملذات هذه الحياة؛ كي يستمتع بها الجميع في طهارة ونقاء وزهد وارتقاء، وما فيها من الجوانب الإيجابية، مادية كانت أو معنوية، وما احتوته من رغد العيش والرحمات والخيرات والمواقف الإنسانية المترابطة حبًّا وصدقًا، هيّأَها الله سبحانه وتعالى لعباده، التي ترفع العبد وينال بسببها رفيع الدرجات وحسن الخاتمة، لا أن يسدل الستار من قبل أولئك الدعاة الذين يغرزون في النفوس واقعًا مخيفًا مقلقًا ومضطربًا، فتسود حالة من الإحباط وفقدَ الأمل مما يطرحونه في أحاديثهم ومعطياتهم، متجاهلين غفران الله ورحمته الواسعة على خلقه، وأن أبواب توبته ورحمته مفتوحة حتى للعصاة من عباده، تاركًا لهم باب العودة والتوبة مفتوحًا.

فلِمَ كل هذا التنفير والتخويف، في حين أن الخالق جل جلاله لم يحرمهم التمتع بمباهج الحياة ومتاعها، على نهج لا اعوجاج فيه، وأن لا يختلط الحق بالباطل، وبشرط أن لا يخالف شرع الله ونهج رسوله ﷺ؛ ليجمعوا الحسنيين دنيا وآخرة. وهذا يتمثل في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص-77].

ولنا كذلك في الشرع المحمدي الأسوة والقوة، حيث أمر بالاعتدال والوسطية والتوازن، فلا إفراط ولا تفريط في جوانب الحياة، والتمتع بخيراتها وملذاتها على وجه الكمال الروحي والوجداني، والبعد عن كل الشهوات والمغريات. وكما قال أحدهم: ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا! هكذا هي الحياة إذا امتزجت فيها الطيّبات التي ترفع المعنويات، وتهيّء السبل في قالب مثالي، حيث إن وجود العباد في هذه الدنيا، وحسن اختيارهم وجميل فعلهم وبرمجة أعمالهم قولًا وفعلاً بما أمر الله خلقه، في حب الخير والابتعاد عن كل شرور الأفعال وأذية الخلق، حيث هي الطريق الأمثل لكسب رضا الله ورسوله وأهل بيته، لنلاقِي ربنا ونحن مطمئنين الضمير وطاهري السريرة، بدون خوف ولا وجل من أي قضاء أو قدر، لأننا على هُدىً مبين، كما قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ أَتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [طه-62].

…والله الموفِّق.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
ابو علي
[ الحلة ]: 14 / 7 / 2025م - 5:10 م
فعلا نحن بحاجة لخطاب ديني ينعش الروح ولا يرهبها. الناس تعبت من صور العذاب وتحتاج من يدلها على نور الرحمة.
2
فاضل درويش
14 / 7 / 2025م - 7:17 م
طرح جميل لكني أعتقد أن التذكير بالآخرة مهم أيضا بشرط أن يكون بأسلوب متوازن. نحتاج دعوة تجمع بين “وبشر عبادي” و”ويحذركم الله نفسه”.