آخر تحديث: 30 / 7 / 2025م - 3:00 ص

حين تختلط الأهداف بالوسائل

عيسى العيد *

يبرز فرق كبير بين من رُسمت له أهداف محددة في حياته، وبين من يعيش ولا يعلم ما هو هدفه في الحياة. قد يشترك الاثنان في نفس الأهداف، لكن الأول حددها ورسم الطريق للوصول إليها عبر وسائل مختلفة، على عكس الآخر الذي لا يدري ما هو هدفه، أو يدري، لكن تتداخل أموره وتتشتّت.

هناك أهداف، وهناك وسائل، ويجب التفريق بينهما:

الأهداف هي الأمور التي يسعى الإنسان لتحقيقها، كمن يهدف إلى بناء مجد تاريخي لشخصه، أو تأسيس منظومة علمية عابرة للأزمان.

أما الوسائل، فهي الأدوات التي تُستخدم للوصول إلى هذه الأهداف، مثل السعي لجمع المال لتحقيق غاية معينة.

ولكي يكون الطريق نحو الهدف سالكًا وواضحًا، لا بد من التفريق بين الهدف والوسيلة، لأن الخلط بينهما أمر وارد، ويُربك العملية. فعندما نُحدّد الوسيلة التي توصلنا للهدف، نكون قد رسمنا خطة عمل ذهنية وخارطة طريق. ولا يحصل ذلك إلا عندما يطرح من يسعى للهدف سؤالًا صريحًا: ماذا أريد فعله؟

هنا لا بد من التحديد بدقة، لا أن يبقى في دائرة التوقعات أو الأمنيات. مثال على ذلك: أقول ”أريد تأليف كتاب“، لا ”أريد أن أكون مشهورًا“.

الأمر الآخر: لماذا أريد تحقيق هذا الهدف؟

مثلًا: لأساهم في رفع المستوى الثقافي للناس. لأن الهدف الذي لا يحمل دافعًا واضحًا، يكون ضعيفًا أو هشًّا.

لكن أحيانًا تتداخل الأهداف فيما بينها. كأن يقول شخص: ”أريد أن أساعد الناس، وأريد أن أصنع لي تاريخًا“. وهذا التاريخ لن يُبنى إلا من خلال هدف أن أكون كاتبًا أو وجيهًا له حضور اجتماعي، وهذا بدوره يحتاج إلى المال. فيبرز هدف إضافي: تكوين ثروة لإنجاز ما سبق.

عند هذه المرحلة، من الطبيعي أن نجد أنفسنا أمام أهداف متداخلة، لذا لا بد من فصلها وفهمها:

• هدف إنساني: مساعدة الناس.
• هدف وجودي: صناعة التاريخ.
• هدف مادي: تكوين الثروة.

وهنا تبرز الحاجة مجددًا إلى التمييز بين ما هو هدف، وما هو وسيلة.

مثال توضيحي:

رجل طموح يقول: ”أريد أن أكون ثريًا“.

فينطلق في جمع المال بشتى الطرق، لكنه بمرور الوقت يشعر بالفراغ، وكأن النجاح لم يحقق له الرضا.

وحين يسأله أحدهم: ”لماذا تريد أن تكون ثريًا؟“

يُجيب: ”لأني أريد أن أُؤسس مركزًا تعليميًا يُغيّر واقع الشباب“.

هنا يتضح أن الثراء لم يكن هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق هدف أسمى: التأثير وتغيير الواقع.

لكنه، لأنه خلط بين الهدف والوسيلة، ضاعت عليه الأولويات، وربما أضاع عمره وهو يسعى خلف المال فقط، دون أن يبدأ مشروعه الحقيقي.

عندما نخلط الوسيلة بالهدف، نُرهق أنفسنا في الطريق الخطأ.

لكن عندما نُحدّد الهدف بدقة، تصبح الوسائل أدوات في أيدينا، لا أغلالًا في أعناقنا.

عندما نُفرّق بين الهدف والوسيلة، يتّضح لنا الطريق، وتكتمل الخطة بوضوح، ويزول التشتّت، لنصبح أقرب إلى تحقيق أثر حقيقي، لا مجرد نجاح ظاهري

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
عبدالعلي اللواتي
[ عمان ]: 14 / 7 / 2025م - 10:19 ص
فكرة المقال حول أهمية التمييز بين الهدف والوسيلة رائعة ، وهو مبدأ لا يقتصر على الحياة العملية فقط، بل يشمل البعد الديني أيضًا.

فالعبادات في جوهرها وسائل لصناعة الإنسان السوي: الأمين، الرحيم، الصادق… بينما المعاملات والإنفاق والسلوكيات هي انعكاس لتلك الوسائل. وهنا يكون بناء الإنسان السوي هو الهدف الأعلى.

وهناك سؤال جوهري يشغلني دائما
هل يشترط لبناء هذا الإنسان أن يسلك طريق ديانة معينة أو عبادات محددة؟
أم أن هناك سبلًا متعددة ( دينية أو غير دينية) ، يمكن أن تقود إلى نفس النتيجة؟

وهذا الأمر مطروح فيما يتعلق بالأدعية والأوراد الواردة عن ائمة مدرسة اهل البيت (ع) في قبال الطرق الصوفية ، وبتوسع ليمتد إلى المقارنة بين العبادات الإسلامية وممارسات الديانات الأخرى (السماوية وغيرها)

البشرية تتفق فيما بينها على مجموعة القيم والمباديء العليا ، ولكنها تختلف في الوسائل

ويقودنا هذا إلى سؤال اعمق وهو هل الجزاء الدنيوي والأخروي ايضا مرتبطان بهذه الممارسات ضمن ديانة محددة ، ام بما تهدف اليه هذه الممارسات من اهداف ونتائج