آخر تحديث: 14 / 7 / 2025م - 12:00 ص

القطاع الخاص: من الإغتراب إلى التمكين

منتظر الشيخ

ليس غريبًا أن يشعر البعض بالغربة على أرض وطنهم، بل وصفها نجيب محفوظ يومًا بأنها ”أشد أنواع الغربة“. واليوم، تتجسد هذه الحالة لدى عدد من المواطنين السعوديين، حيث تتزايد شكوكهم حول دورهم وموقعهم على خريطة العمل الوطني، لا سيما على مستوى القطاع الخاص.

خلال السنوات الماضية، شهدت المملكة جهودًا غير مسبوقة لتعزيز توطين الوظائف وتنظيم سوق العمل. وتشير التقارير الرسمية إلى ارتفاع عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص من نحو 1.7 مليون عام 2019 إلى 2.3 مليون عام 2023، ضمن إطار خطط ”السعودة“ وتنفيذ مبادرات برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد محاور رؤية 2030. كما تراجعت نسبة البطالة من 12.3% عام 2019 إلى نحو 7.6% عام 2024، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء.

لكن على الرغم من هذه المؤشرات والتي لا يجب أن تخدعنا كما أسلفت في مقال سابق، لا بد من الإشارة إلى ممارسات توظيف غير أخلاقية في حق السعوديين، حيث يتم تفضيل العمالة الوافدة على المواطن، خصوصًا في بعض المهن المتخصصة، مما يدفع البعض إلى الشعور بأن دوره على أرض بلده مهدد، بل مهمش أحيانًا. ففي القطاع الخاص، يشكّل غير السعوديين نحو 56.5% من القوى العاملة، وفقًا لبيانات رسمية، مما يشير إلى الحاجة الملحّة لاستراتيجيات توطين تعتمد على الجدوى الاقتصادية وتنمية القدرات وحوكمة ممارسات التوظيف.

وقد عبر الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، عن هذه القضية بوضوح، محذرًا من التعامل معها بارتجالية، إذ كتب في كتابه ”الأهداف والأولويات“: ”المأمول أن يتمكّن القطاع الخاص من توفير فرص عمل للسعوديين الراغبين في العمل، غير أن القطاع الخاص لن يتمكّن من توفير هذه الفرص إذا فُرِضت عبر قرارات عشوائية أو متسرّعة أو غير مدروسة… ولن تنظر الوزارة لهذا القطاع على أنه طرف غير صديق يجب إخضاعه بقوة التشريع“.

ومن جهة أخرى، أكد سمو الأمير محمد بن سلمان على ضرورة تطوير القدرات الوطنية وتعزيز دور المواطن السعودي، مشيرًا إلى أن: ”مستقبل السعودية لا يعتمد على النفط، بل على عقول أبنائها وقدرتهم على إطلاق إمكاناتهم“ (لقاء عبر قناة CBS, 2018)، كما أشار مؤخرًا إلى تراجع معدّل البطالة إلى أدنى مستوياته عند 7.6%، مؤكدًا على أن الجهود الإصلاحية ماضية على الطريق الصحيح.

ليس المقصد هنا محاربة التنوع الثقافي أو الخبرات الوافدة، بل تكريس مبدأ العدالة الاقتصادية وتنظيم ممارسات سوق العمل على نحو يحفظ توازنًا صحيًا بين مصلحة المواطن، وحاجة القطاع الخاص، وتنفيذ أهداف التنمية الوطنية على الوجه الأكمل. فلا يُقبل أن يشعر ابن الوطن، على أرض بلده، بأنه غريب، بل ينبغي أن يُؤسس له المناخ المناسب لكي يصبح عنصرًا محوريًا أصيلًا في عملية التنمية وحاملًا أمينًا لمستقبل وطنه.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
جمال آل إبراهيم
12 / 7 / 2025م - 12:55 م
أقولها بصراحة: كثير منا حاس نفس الإحساس اللي وصفه الكاتب خاصة في المؤسسات اللي تشوف فيها أولوية للوافد لمجرد اللغة أو المظهر مو الكفاءة. يعطيك العافية أستاذ منتظر.
2
زهراء صويمل
12 / 7 / 2025م - 5:29 م
أقولها كموظفة في إدارة الموارد البشرية: كثير من الشركات يتعامل مع التوطين كأداء واجب. ما يؤمنون حقا بتأهيل الكفاءات السعودية. شكرا أستاذ منتظر على هذه الإضاءة.
3
أحمد آل غزوي
12 / 7 / 2025م - 6:54 م
أنا شغال بالقطاع الخاص من 14 سنة وتعبت من شكاوى الزملاء اللي يشتكون من فرق المعاملة. هذا المقال خلاصة واقع نعيشه كل يوم.