آخر تحديث: 27 / 7 / 2025م - 3:34 م

النجاح بلا قيم: صعود إلى الهاوية

سراج علي أبو السعود *

النجاح - بمعناه الذي يدل على تحقيق الأهداف - هو غاية يشترك في طلبها الجميع. لكنّ الفارق الجوهري يكمن في الطريق المؤدي إليه: فهناك من يسلكه بشرف، وآخر لا يتردد في استخدام الوسائل الملتوية وغير المشروعة، حين يُنظر إلى النجاح فقط كنتيجة، فإن صاحبه يُمنح التقدير الاجتماعي والأخلاقي الأعلى، ولو ظاهريًا. لكن الحقيقة أن النجاح الذي يُبنى على الغش، أو يتسلّق القيم، هو في جوهره فشل أخلاقي لا يلبث أن يفقد احترام الناس وثقتهم، إن معيار النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالوصول، بل بالسّلم الأخلاقي الذي ارتقاه المرء للوصول إليه.

في زمنٍ يتهافت فيه كثير من الناس على بلوغ القمم بأي وسيلة، تخلّت فئة غير قليلة عن المبادئ الأخلاقية، ورفعت شعار: ”الغاية تبرر الوسيلة“. ويظهر هذا النموذج جليًا في بعض البيئات الإدارية، حيث يسود منطق الوصول بأي ثمن، ولو كان الثمن هو الحقيقة ذاتها، هؤلاء لا يتورّعون عن الكذب، التزوير، أو التزلّف، طالما أن ذلك يقربهم خطوة من الكرسي. وحين يتصدّر مثل هذا الشخص المشهد الإداري، يتحول إلى أداة فساد تنخر المؤسسة من الداخل. المناصب تُمنح لأتباعه، والتقييم الحسن يُمنح للخاضعين له، لا للكفاءات، في النهاية، قد يُنظر إلى هذا النموذج على أنه ”ناجح“ من قِبل من يحصرون النجاح في الوصول فقط، لكن الحقيقة أن نجاحه زائف، وأن سقوطه - وسقوط المؤسسة من خلفه - مسألة وقت لا أكثر.

في كثير من الأحيان، لا يكون صنع الثروة أو بلوغ النفوذ أمرًا معقدًا، خاصة حين تُسلك إليه الطرق الملتوية. لكنّ الخطر الأكبر لا يكمن في الوسائل فقط، بل في المجتمع الذي يخلع ثوبه الأخلاقي ليمنح احترامه لكل من ”وصل“، بغض النظر عن كيف وصل، مثل هذا المجتمع يُفرغ العقول من ضمائرها، ويصنع نموذجًا رأسماليًا ماديًا لا يرى في النجاح إلا ”الوصول“ بأي ثمن، وحين تصبح هذه النماذج هي القدوات، فإنها تقود المجتمع - يومًا بعد يوم - نحو الهاوية.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
حسين النمر
[ العوامية ]: 11 / 7 / 2025م - 4:02 م
الكلام مؤلم لأنه واقعي. شفت بأم عيني ناس يتسلقون المناصب على حساب الناس النزيهين وكل همهم الواجهة. شكرا لكاتبنا لأن هالصوت ضروري.
2
رضا علي آل سعيد
[ سيهات ]: 11 / 7 / 2025م - 7:16 م
أجمل ما في المقال إنه يفرق بين “الوصول” و”الارتقاء”. كثير يوصلون لكن كم واحد يرتقي فعلا؟ يعطيك العافية أستاذ سراج.