مدن صديقة للأسواق
نقصد بمصطلح المدن الصديقة للأسواق تلك المدن التي تتبنى تطبيق معايير خاصة وممارسات وتجارب داعمة للأسواق فيها، تبعاً للاحتياجات، لتصبح مثالاً قابلاً للاحتذاء والاقتباس منه.
لا يستهدف هذا المصطلح أن تكون المدن والأسواق فيها كلها نسخاً متشابهة، بل يستهدف توجيه الأفكار وآليات العمل نحو تطوير الأسواق عبر إزالة العوائق والتحديات التي تواجهها في ظل المتغيرات المختلفة، خدمةً لتحقيق أهداف التنمية المحلية.
تعاني بعض المدن من تراكم وتشابك المشكلات فيها، مما يضطر المخطط الحضري إلى إجراء تغيير شامل أو شبه كامل للمدينة، وهذا كما هو فرصة تنموية للمدينة، فإنه أيضاً يخلق للأسواق تحديات مختلفة، مما يؤثر على بيئة الأسواق أو يخفي معالمها التجارية التي تؤثر على شكل الحياة الاجتماعية، سيّما في المدن القديمة التي لها صفات معينة مرتبطة بالأسواق عموماً أو أسواق محددة مثل الأسواق المتخصصة أو غيرها.
هناك العديد من التحديات التي تواجه الأسواق في المدن، ومنها: عملية انتقال أو نقل الأنشطة التجارية المختلفة إلى الكورنيش البحري أو النهري للمدينة، بحيث تصبح الأنشطة التي عادةً ما تكون في وسط المدينة أو قريبة منه، يتم نقلها أو توفير الظروف لانتقالها إلى الكورنيش، فتصبح جزءاً من الكورنيش أو كأنه الموقع الطبيعي لها، وهنا يكون الخطأ مزدوجاً؛ الأول هو نقل تلك الأنشطة التجارية من موقعها الطبيعي وهو وسط المدينة، وبالتالي إفراغ وسط المدينة التجاري، وهذه مشكلة تعاني منها عدد من المدن، مما أجبر بعض المدن على القيام بمشاريع مكلفة لإعادة إحياء أوساط المدن.
الخطأ الثاني: تضييق الخناق على وظيفة الكورنيش الرئيسة كونه متنفساً لسكان المدينة ورئةً لها، إلى الدرجة التي يصبح فيها مثلاً: إنشاء ممشى نموذجي للمشاة على جانبي طريق حركة السيارات فيه عالية الكثافة، أسهل وأبسط من إنشاء نفس الممشى على كتف الكورنيش!!
من التحديات التي تواجه المشاريع التجارية أيضاً في الأسواق والمجمعات التجارية المغلقة، هي الارتفاع الكبير في التكلفة الإيجارية مقارنة بالتكلفة الإيجارية للأسواق والمجمعات غير المغلقة، وهذا ما يتطلب البحث عن العناصر والأفكار التي تساهم في تخفيض التكاليف لهذه المشاريع تحديداً، وهي مهمة مشتركة تقع على عاتق أكثر من جهة مثل: البلديات والغرف التجارية، إضافة إلى أصحاب المشاريع أنفسهم. وهنا يمكننا أن نؤشر إلى عنصر نراه مهماً في هذه المسألة، وهو وجود كاميرات المراقبة داخل المحال، وفي أروقة المجمعات التجارية المغلقة، وكذلك وجود اشتراطات خاصة تضمن وجود الحراسات التي تعمل وتمتد على مدار الساعة في تلك المجمعات. وبالرغم من ذلك، توجد واجهات أمامية للمحال ذات تكاليف عالية لا تقل عن 15000 ريال للفتحة الواحدة!!! لذا من الأولى عدم اشتراط عمل الواجهة الأمامية للمحال التي عادةً ما تكون زجاجية، وجعلها اختيارية، فتوفير مبلغ 15000 ريال للفتحة الواحدة يعني الكثير لرواد الأعمال. إن عدم اشتراط تلك الواجهة يعني أولاً: عدم دفع نفقات مرتين لسبب واحد، وثانياً: مرونة أكبر للحركة والمتسوقين، والاستغناء عن دفع تكاليف كانت ضرورية في فترة سابقة، أما الآن فلم تعد لها حاجة فعلية في ظل الحراسة الدائمة في المجمعات ووجود أنظمة مراقبة رقمية تم دفع قيمتها.
من هذه المقترحات والتحديات، أود أن أستخلص اقتراحاً أرفعه لهيئة التطوير بالمنطقة الشرقية لدراسته، وهو إقرار مصطلح ”مدن صديقة للأسواق“، بحيث يُسجَّل هذا المصطلح باسمها بعد تطويره وصياغة معايير خاصة بالمدن الصديقة للأسواق، لتكون هذه المعايير مرجعاً لكل المدن التي ترغب في المنافسة والدخول تحت مظلة هذا المسمى، وتصبح هذه المعايير جزءاً من مدخلات التخطيط الحضري الذي تقوم به حالياً.