الإمام الحسين (ع) مرآة إصلاح
قال الإمام الحسين : ”إني لم أخرج أَشِرًا، ولا بَطِرًا، ولا مفسدًا، ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر“.
لا يخفى على الجميع حجم وعظمة التضحية التي قدمها الإمام الحسين في سبيل الإصلاح، وفي سبيل النهوض بمنهج الرسالة المحمدية لجده النبي الأكرم ﷺ، وفي سبيل تحقيق أهم قيم الإسلام التي يظهر جوهرها في قوله: ”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“.
إن المتتبع لحركة الإمام الحسين يدرك تمامًا أن التضحية التي قدمها لم تأتِ من فراغ أو حبٍّ في سلطة، وإن الإصلاح الذي أراده الإمام
كان بحاجة ماسة إلى بذل الدم والنفس، وبذل الغالي والنفيس، خصوصًا في ذاك الزمان الذي شُوّهت فيه معالم الدين، وأصبحت فيه المعايير والمبادئ مجرّدة من النص السماوي، ومن تعاليم الوحي والسنة النبوية.
إن الإصلاح الذي طلبه الإمام الحسين لم يكن مجردَ إصلاح محدود الزمان والمكان، ولكنه كان إصلاحًا شاملًا لكل زمان ومكان، وفيه حلول مختلفة ومتعددة ونافعة في علاج الأسقام الحياتية التي يحتاج الإنسان والمجتمع إلى التخلص منها.
إن حركة الإصلاح التي كان ثمنها الدم والروح، والتي قادها الإمام الحسين بكل إصرار وصمود، ما هي في واقعها إلا صياغة جديدة للنمطِية الفكرية المعتادة عند الإنسان، حيث نرى الثراء الموضوعي في كل زواياها، وكذلك نرى السعة الممتدة للمساحات المعرفية والنورانية التي تحيط بها.
إن الإمام الحسين كان هدفه الأساسي في حركته الإصلاحية هو إعلاء الحق، وإظهار العدالة، والقضاء على الظلم والفساد، وعلى الانحطاط الأخلاقي الذي نال من الأمة ومن الفطرة الإنسانية، فجعلها ميالة للفجور، ومنحنية للذل، وبعيدة كل البعد عن الحق، وعن سلوك الرحمة والرأفة.
لو تأملنا في أبعاد حركة الإمام الحسين لوجدنا أنها قبل أن تبدأ في ساحات القتال بالسيف، بدأت في الإنسان نفسه، بالكلمة والتوضيح، وبكشف الواقع وإظهار الفروض، وهذه ما نلمسه في خطبه ورسائله الموجهة للقوم، حيث إنه
استهدف نفوسهم وعقولهم، وعمد إلى إظهار الحجة عليهم، وبيّن الحقيقة، ولامس بصائرهم بالموعظة والنصح، وتعريف الدين الحقيقي الشامل، وتعريف الحق وأهل الحق.
لذلك أقول: إن حركة إصلاحية كحركة الإمام الحسين جديرة بأن تكون نموذج استنهاض للضمير، ففي طياتها وسطورها وفرة هائلة من الدروس والعبر، وهي كذلك مليئة بصور الحتميات المصيرية لكل فعل، وبالسنن الإلهية التي لا تتبدل، والتي أيضًا يستطيع الإنسان من خلالها معرفة خاتمة أعماله وسلوكه.
ولو أمعنا النظر أيضًا مرةً أخرى من منظور الاستقلالية الفكرية، لوجدنا أن الكمالات والفيوضات الربانية في نهضة وحركة الإمام الحسين ، المتمثلة بقيادته الحكيمة للمعركة وطريقة إدارته لها، كفيلة بأن تجعل الإنسان أكثر وعيًا، وأكثر معرفة بنفسه، وبما يدور حوله من خداع، ومن انجرار إلى هاوية التبعية العمياء التي تسلب منه هويته الذاتية والإنسانية، وتأخذه إلى دائرة الغفلة والغرور، وإلى الأمنيات الخداعة.
إن الإمام الحسين قدوةٌ حسنةٌ، حالُه كحالِ جده النبي الأعظم ﷺ، وحركته الإصلاحية رسالة متكاملة، فيها كل المعايير والضوابط التي تعين على الدنيا والآخرة، فمن أراد أن يخرج من دهاليز الحياة المنهكة والمحيرة، عليه أن يتمعن في أهداف نهضته المقدسة من جميع النواحي، وأن يغترف من ينابيعها ما يروي به عطشه الروحي وشغفه العاطفي.
ختامًا:
الحسين مرآة الإصلاح في الأمة، ومن أراد أن يُصلح أمر الدين والدنيا، فلينظر إليه نظرة اعتقاد به كإمام، وبمكانته وإمكانياته، وبالنهضة الشاملة والمتكاملة التي فتح أبوابها بالتضحية، وقدم في سبيلها أعز من يحب، وأغلى ما يملك، ولم تأخذه في الله لومة لائم، ولا عجب في ذلك، فهو ابن الوحي، وربيب بيت التنزيل، وسيد شباب أهل الجنة.