عاشوراء الامام الحسين (ع)
في العام 61 من شهر محرم الحرام، في اليوم العاشر منه، استُشهد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد رسول الله ﷺ وأهل بيته وأنصاره، وأُخذت بنات الرسول ﷺ سبايا من بلد إلى بلد. في هذا اليوم، بزغ النور من أرض كربلاء معلنًا ولادة يوم يسمى يوم عاشوراء، وذُكر أن اسمه تداول منذ خلق البشرية، تداولته الأنبياء وبكوا لمصابه، وأعلن عن هذا اليوم الرسول ﷺ وبكاه. لم يوجد حدث في العالم أُخذَ وأعطي هذا الزخم والمكانة قبل انطلاقته وحدوثه على الأرض، هو يوم من أيام الله تعالى، وُلد ليبقى، ووُجد ليستمر منارةً تضيء مسار البشرية بفيض تجليات الإمام الحسين
وأهل بيته وأنصاره رضوان الله عليهم.
فإن كان هذا اليوم يوم حزن على قلب رسول الله ﷺ وقلب أهل البيت ومواليهم وعلى قلب كل صاحب ضمير مهما اختلفت مذاهبهم ودياناتهم وأعراقهم، يبقى يومًا للعزة والكرامة، رافعًا راية طلب العدالة وتحقيق أوامر السماء.
قال الإمام الرضا :
”من كان عاشوراء يوم مصيبته وبكائه، جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره“. رغم الحزن بعظمة المصيبة، تبقى نعمة الولاية من أعظم النعم التي تؤتي أكلها في الدنيا نورًا في القلب والرضا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من جاء بولاية أهل البيت . بقيت هذه المسيرة الخالدة على مر العصور، تحمل من المحبين والعاشقين الصادقين في موالاتهم المتيقنين في خطاهم. حملوا لواء بقاء عاشوراء رغم الفواجع والمصائب التي ارتكبت في حقهم، ومنع إقامة هذه الشعائر، ومن يقيمها يتعرض للملاحقة والسجن والقتل.
هذا كل ما صنعه يوم واحد، بل ساعات من يوم واحد، ساعات أضاءت للعالم سنوات عديدة من التأثير، تكبر وتزداد اتساعًا في كل بقعة من بقاع العالم، تختلف أديانها وتوجهاتها وتتفق على يوم واحد يسمى ”عاشوراء“. غير وبدل هذا اليوم حياة الكثير منهم، ولا زال يغير مفاهيم كثيرة وتعرف البشرية هذا اليوم العظيم كأكبر مشروع سلمي قامت به مجموعة قليلة من المضحين الأبطال الصادقين لدينهم والموالين لإمامهم، فصنعوا التاريخ بإيمانهم بعدالة قضيتهم وارتباطها بقيم الرسول ﷺ وباقي الأنبياء والرسل . اختزلت مسيرتهم جميع ما جاء به الأنبياء
لإنقاذ البشرية من عبودية الإنسان إلى عبادة الله تعالى وما يترتب على هذه العلاقة من حياة كريمة متناغمة مع تطلعات الإنسان، فلم تترك فراغًا أو عذرًا لكبير أو شاب أو صغير أو امرأة، بل أقامت الحجة وأعطت الدليل ليس بالتنظير بل كرسته كواقع على الأرض، فانتصرت كمنظومة متكاملة ليس حدثًا تاريخيًا يموت ويتضاءل ويختفي مع مرور الأيام وينسى أو ينتهي مع الحروب التي شنت عليها منذ انطلاقتها. عاشوراء تملك قوة وعمقًا عابرًا للزمن، اختزنت قيمًا ومعاني جسدت مفاهيم القرآن الكريم والسنة النبوية لبناء مجتمع يقوم على العدل، يُقتدى به لما يتضمن من فكر ومنهج يلامس الضمير الإنساني ويسيطر على المشاعر ويؤثر على الوجدان، مكملة لرسالة الرسول ﷺ، كما قيل: ”الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء“. اليوم ومستقبلًا، عاشوراء تمثل قيم الدين بجميع أركانه والمحافظة على بقائها سليمة من التحريف والتزوير، بكل يقين أنها هدية السماء للأرض، هدية الخالق عز وجل لعباده.
عاشوراء سجلت تاريخًا ليس بالحبر بل بالدم الطاهر والأجساد الممزقة الزكية. في يومها كانت كربلاء صحراء واليوم نبض العالم ومصدر الشعاع النوراني، مدرسة للأجيال تشكل الوعي بين الحق والباطل والصواب والخطأ والصدق والكذب. لا غرابة أن يعرف المؤمنون صادقو الإيمان بحبهم لمشروع الإمام الحسين ويعرف المنافقون ببغضهم لهذا المشروع الرباني. انتصرت مبادئ عاشوراء وأصبحت اليوم ومستقبلًا أكثر تأصلًا، تتسع آفاقها وأبعادها لجميع بقاع العالم لتحيي هذه الشعائر وتذكر الإمام الحسين
. هذه المصيبة التي أقرحت جفون أهل البيت وأسالت دموعهم، وأورثتهم حزنًا، كان الفعل متوحشًا وخارج نطاق الإنسانية في وضح النهار ومع سبق الإصرار والترصد وبدماء باردة، إنه فعل المجرمين وفاقدي الضمير ومعدومي الإنسانية.
وخير ما قيل عن العلاقة والموالاة الصادقة:
”نحن سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، محققون لما حققتم، مبطلون لما أبطلتم. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من خيار مواليكم العاملين بما دعوتم إليه، نهتدي بهديكم، وأن يجعل محيانا محيا محمد وآل محمد، ومماتنا ممات محمد وآل محمد“.