خطباء لن تنساهم ذاكرة التاريخ
لقد فقدت منطقة القطيف عامة، ومدينة سيهات خاصة، قامة من قاماتها، ورمزًا من رموزها الدينية التي تربعت لسنين عديدة على عرش المنبر الحسيني؛ حيث حلق شخصها في دنيا الخطابة، لتشق طريقها بعزيمة وتصميم ممنهج، إذ نالت نصيبًا من الدراسة الحوزوية، هيّأ لها نصيبًا من العلم، تفرعت منه أبواب متعددة في شتى المعارف والعلوم الدينية، لتنطلق محلقة صادحة في ذكر مآثر ومكارم أهل البيت النبوي الكريم ، وتصدع بصوتها الشجي العذب في تصوير شجون ومآسي ما تعرّض له أئمة الطهر والفضيلة من ظلم واضطهاد وتنكيل على أيدي العتاة والظلمة والبغاة.
وكانت لمأساة كربلاء النصيب الأكبر؛ حيث أخذت حيّزًا ومساحة من النشيج والبكاء في ذاكرتها، وبالخصوص ما واجهه سيد الشهداء الإمام الحسين وأهل بيته من رزايا ومصائب يندى لها الجبين، ويهرم فيها الصغير، ويشيب فيها الكبير. مثلتْها هذه الشخصية التي ملكت موهبة إلهية، ساعدتها على كسب قلوب الموالين إلى أمد بعيد، حتى فاجأها القدر بقبض روحها ﴿كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ﴾ ، بعد معاناة مع مرض عضال أقعدها عن مواصلة الخطابة.
إنّ هذه الشخصية اللامعة تمثلت وتجسدت في فقيدنا سماحة الخطيب الحسيني الشيخ أحمد الخميس، قدّس الله روحه الطاهرة، وقد تفنّن وأبدع بصوته الشجي العذب في تصوير المأساة الحسينية، واستقرارها في قلوب المؤمنين هيامًا وعشقًا.
ومما لا شك فيه، ولا يختلف عليه اثنان، أنه بحق عميد المنبر الحسيني المتألق، لما له من صولات وجولات يشهد بها كل قاصٍ ودانٍ. وبفقده، ترك غصّة وحرارة في القلوب المؤمنة لا تسدّها أي ثُلمة، ولكن ما يخفف على قلوب المؤمنين من هول هذه الفاجعة، هو ما تركه - رحمه الله - من تراث ضخم تتناقله الأجيال جيلًا بعد جيل، وأولئك النخبة من الخطباء الذين تتلمذوا على يديه علمًا وفكرًا، الذين بفضله أصبحوا مصابيح تُجدد ذكراه على مدى الأيام والسنين.
فإلى جنات الخلد والنعيم، مع النبي محمد وآله الأطهار، عليهم من الله أفضل الصلوات وأجلّ التسليم. والله الموفق.