وفاءٌ لكلمةٍ لا تموت.. حين تحدّث أبي شعرا
ها أنا أقرأك يا والدي، الشاعر علي بن رضي الأسود - رحمه الله - لا كقارئٍ عابر، بل كابنٍ تتردد أنفاسه بين كل بيتٍ من أبياتك، وكأنك تهمس لي من بين السطور، وتربّت على كتفي من بين الحروف.
قصيدتك هذه، ليست مجرّد كلماتٍ مرصوفة على قافية، بل روحك التي سكنت في المسرح، ونبضك الذي ما زال يتردد في نادي ”الهدى“، وصوتك الذي لا يغيب عن جزيرةٍ أحببتها وأحبّتك.
وكان لي الشرف أن أُلقيها نيابةً عنك، وأن أراك تبتسم لي من بين الحضور، تلك الابتسامة التي منحتني الثقة، وثبّتت صوتي وأنا ألقي كلماتك أمام الناس.
لحظةٌ لن أنساها، لأنها جمعت بين فخري بك، واعتزازي بثقتك بي.
لقد كنتَ يا والدي، شاعرًا يحمل المسرحَ في قلبه، ويحمل الأجيالَ في كفه، لم تكتب لتُصفّق لك الجماهير، بل لتُربي من وراء الستار، وتغرس في القلوب حبَّ الفنِّ والمعنى، والفكرِ والانتماء.
وفي كل بيتٍ من هذه القصيدة، أراك أبًا مربيًا، وشاعرًا أصيلًا، وإنسانًا عظيمًا… يعلّمنا أن الكلمة رسالة، وأن الشعرَ فعلُ وفاء، وأن الانتماء للأرضِ والمكانِ والمبدأ، هو ذروةُ الإبداع.
رحمك الله يا أبي، الشاعر علي بن رضي الأسود،
فقد ورثنا منك ما هو أغلى من المال والجاه:
القدوة، والموقف، والكلمة الصادقة.
وها نحن، نحمل إرثك لا كعبءٍ، بل كوسامٍ على صدورنا… نعتز به ونمضي على خطاك.
الحفلُ قُمْ بنا يا صاحِ واملأ سَناهُ براحِي
فالمسرحُ اليومَ نبضُ الحرفِ والأرواحِ
حيِّ ”الهدى“ ناديًا يسمو على قممٍ
في جزيرةِ تاروتَ، في أسمى مباري ساحي
هنا القلوبُ أضاءت من محبتِهِ
والمجدُ يسري على الأركانِ كالفوّاحِ
جاءت براعمُنا، شمسًا مُشعشعةً
تحكي الخيالَ، وتُحيي صمتَنا المباحِ
المسرحُ الفنُّ، بل هو نبضُ أمّتنا
إن صارَ واعيًا يسمو عن التبراحِ
و”الهدى“ ناديًا أعطى منابرهُ
للفكرِ والعلمِ، لا للهوِ والانزاحِ
يا من رعيتُمْ طريقَ الفنّ فاشهدوا
جيلًا يُجددُ في المعنى وفي الأرماحِ
يا جزيرةَ تاروتَ، الحُلى في حضنكِ ازدهرتْ
فاشهدي اليومَ ميلادَ التقى الوضّاحِ
في كلّ ركنٍ لنا عزٌّ نُسطّرهُ
والشعرُ يرقى بنا في ساحةِ الفصاحِ
قوموا وحيُّوا رجالاتٍ تفرّغوا
للخيرِ، للفكرِ، للأجيالِ، للإيضاحِ
هذا المسرحُ مرآةُ الحياةِ، وفيهِ
نرى الحقيقةَ بينَ الحرفِ والوشّاحِ
فاشكرْ لنادي ”الهدى“ جهدهُ أبداً
واكتبْ على صدرهِ: ”دمتُمْ بلا تِرَاحِ“
والفضلُ للهِ ثمّ الشكرُ يُتبعُهُ
لكلِّ من خدموا بالحبِّ والانشراحِ
تحيّةً لإدارةٍ كانت لنا أملًا
تبني المواهبَ بالإيمانِ والانشراحِ
رجالُها قادةٌ بالرأيِ والبصرِ
عقولُهم نبضُنا، في العدلِ والصلاحِ
ما خابَ جهدٌ لهم، بل فاضَ منهُ ندىً
على الصغارِ، على الكبارِ، بكلّ ساحِ
قضوا الليالي بلا كللٍ ولا تعبٍ
يحملونَ النادي كالسيفِ في الكفاحِ
منهم تعلمنا أن الفنَّ مملكةٌ
أساسُها حلمُنا، والعزمُ، والسماحِ
فاستبشروا يا كرامًا قد صنعتمُ لنا
جسرَ النجاحاتِ فوقَ الوهمِ والجراحِ
والشكرُ ممتدٌّ ما دامت لنا لغةٌ
تُحيي المسرحَ في أبهى مدىً وصلاحِ
تاروتُ يا مَهدَ تاريخٍ ومجدِ أبٍ
سكنتِ في القلبِ، والأنسامِ، واللماحِ