آخر تحديث: 1 / 8 / 2025م - 11:14 م

الحنين إلى الدم

جلال عبد الناصر *

ما أصعبها من لحظة حين يقوم رئيسك في العمل بتغيير مكانك بدون سابق إنذار، وبدون سبب. فذلك من شأنه أن يبدّد شعور الراحة لديك، وهذا ما جرى لي شخصيًا.

لقد تم نقلي إلى البوابة الرئيسية للمستشفى. وقد يظنّ البعض بأنّ وظيفة حارس الأمن هي نفسها في البوابة الرئيسية أو في قسم الطوارئ. هنا قد يكون الكلام صحيحًا إلا أنّ درجة المتعة تختلف. لقد كانت مهمتي في المكان الجديد هي كبس الزر ليرتفع ذلك العمود وأسمح للزوار بالدخول ولا شيء غير ذلك.

وكلّ لحظة كنت أمضيها في تلك البوابة الكئيبة كنت أتحسّر فيها على الأيام الجميلة التي قضيتها في بوابة الطوارئ. فمشاهدة المصابين والدماء تقطر من أعضائهم، وصوت النحيب والعويل يشعرني بشيء غريب. وبالنسبة لي كان شعورًا جميلًا أن أسمع صوت سيارة الإسعاف وأشاهد الألوان الحمراء المنبعثة من فوق سطحها. والأجمل من ذلك عندما تفتح أبوابها ليقوم المسعفون بسحب المصاب والدماء تنزف من رأسه، وعينه تكاد تخرج من رأسه.

تلك الأشياء عندما تجتمع أشعر بأنها هي سيمفونيتي الرائعة، خصوصًا عندما أكافئ نفسي بسيجارة حشيش. أما الآن لم يعد للحشيش طعم، فلا دماء ولا أعضاء مقطّعة. لقد أفقدني مشرف الأمن شغف الحياة. حتى إنّ طاقتي انخفضت ولم أعد أهتم بالذهاب للنادي، ولا أهتم بمشاهدة المباريات التي طالما كنت حريصًا عليها.

وفي أحد الأيام طلب منّي رئيسي أن أقوم بمهمة تغطية عن أحد الزملاء لمدة ساعتين فقط في بوابة الطوارئ. لقد توجهت على الفور وأنا أكاد أبكي من الفرحة. فهو المكان الذي أنتمي إليه وأشعر فيه بوجودي. فالأصوات والمشاهد هناك تشبع رغباتي المكبوتة التي لا أستطيع ممارستها في واقعي.

ومن حسن الحظّ، وخلال تغطيتي القصيرة شاهدت شابًا في مقتبل العمر مغطّى بالدماء، مفتوح الرأس، والمسعف يحاول جاهدًا تثبيت رأسه كي لا يسقط مخه على الأرض، وأخوه كان يعتفر من هول الصدمة. حينها دخلت لدورة المياه والسعادة تغمرني ورحت أراقب ملامحي في المرآة، لقد كنت أعضّ على شفتيّ برفق وعيناي في حالة من الذبول، وكأني ممسك بكأس ويسكي وأنا مستلقٍ بجانب المسبح.

لا أستطيع تفسير السبب الذي جعلني أعيش مشاعر الغبطة والسرور بأعلى درجاتها، فما دمت لم ولن أكون سببًا في قتل أحد، فسأبقى محافظًا على مصدر سعادتي.

اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام