آخر تحديث: 8 / 7 / 2025م - 12:06 م

الإمام الحسين (ع) القائد القدوة وصانع القادة

محمد يوسف آل مال الله *

يعرّف الرؤساء التنفيذيون القيادة بأنّها ”القدرة على التأثير على الآخرين وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف مشتركة. فهي إذًا مسؤولية تجاه المجموعةِ المقودةِ للوصول إلى الأهدافِ المرسومةِ“، ويعرّفها البعض أنها ”عملية تهدف إلى التأثير على سلوك الأفراد وتنسيق جهودهم لتحقيق أهداف معينة“، والقائد هو ”الشخص الذي يستخدم نفوذه وقوته ليؤثر على سلوك وتوجهات الأفراد من حوله لإنجاز أهداف محددة“.

ماذا عن صناعة القادة؟

جدل ما زال وسيستمر حول صناعة القادة؛ هل القادة يُولدون فقط، أم يُصنعون؟ الولادة تعني امتلاك الشخص للسمات الخاصة بالقيادة، فإذا ما توافرت له البيئة وتفعيل المهارات، فقد يصبح قائدًا. أمّا صناعة القادة فهي بحاجة إلى القائد القدوة أولًا الذي يعمل على صناعة قادته.

تكوين القدوة وصناعة القادة هي عملية متكاملة تتطلب تربية عميقة، وتجارب ميدانية، وقيم راسخة، وتوجيهًا مستمرًا. القدوة ليست منصبًا، بل هي أثرٌ وتأثيرٌ ينبع من سلوك الشخص وقيمه.

فإذا أردنا مجتمعًا ناهضًا، فلنبدأ بتكوين قدوات حقيقية تؤثر وتُلهِم، ثم نستثمر في تدريب وتأهيل قادة يخدمون المصلحة العامة بقلب شجاع وفكر ناضج.

كيف استطاع الإمام الحسين أن يكون القائد القدوة وكان قادرًا على صناعة القادة بأعلى درجات العظمة الإنسانية؟

لا أحد يشك في أنّ الإمام الحسين هو القدوة الملهمة منذ الولادة وصانع القادة في كربلاء، كيف ذلك؟

أولًا: الإمام الحسين قدوة من خلال..

الوراثة النبوية والقيم الرسالية، فقد نشأ في بيت الوحي، وتربّى على يد النبي محمد ﷺ، وأبيه أمير المؤمنين علي ، وأمه فاطمة الزهراء ، حتى شرب القيم من نبعها: الصدق، والتضحية، والعدل، والتواضع، والإباء، والكرامة.

الثبات على المبدأ مهما كان الثمن، حيث رفض البيعة ليزيد رغم كل الضغوط والتهديدات، لأنه يعلم أنّ طاغية مثل يزيد لا يمكن أن يمثل الدين، ”مثلي لا يبايع مثله“.

مثال التضحية والفداء، حيث ضحّى بكل شيء: أولاده، وأحبّته، وأصحابه، ونفسه، ولم يُضحِّ بالقيم، فهو قدوة للأحرار في كل العصور.

ثانيًا: صناعة القادة وذلك عبر…

التربية، فقد ربّى الإمام الحسين أصحابه على الوعي والاختيار، ولم يُجبر أحدًا على البقاء، بل خيّرهم ليلة عاشوراء، فقال: ”ألا وإنّي قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعًا في حلٍّ من بيعتي…“ ومع ذلك بقوا، لأنهم أصبحوا قادة في القرار والولاء.

التمكين وبناء الثقة، فقد قام بدور هامٍ في صياغتهم، حيث أعطى كل واحدٍ منهم دورًا ورسالة، وجعلهم يشعرون بأنهم جنود الحق، وأكبر مثال على ذلك أبو الفضل العباس ، فقد كان حاملَ اللواءِ، وقائد الجبهة، ومثلًا أعلى في الوفاء.

تنويع القيادات، إذ لم يقتصر على قادة من آل بيته، بل كوّنهم من كل الطبقات، فزهير بن القين «كان عثمانيًّا»، وجون «مولى أبي ذر»، ووهب «حديث العهد بالإسلام»، وحبيب بن مظاهر الأسدي «شيخ كبير». القيادة في كربلاء لم تكن وراثية أو طبقية، بل قائمة على الوعي، والولاء، والصدق.

القائد الفذ هو ذلك القائد الذي يترك أثرًا خالدًا لا يندثر مع مرور الزمن، ولا تمحو آثاره السنون. لم ينتصر الإمام الحسين عسكريًا، لكنه انتصر أخلاقيًا وإنسانيًا وروحيًا إلى يومنا هذا. فكل من درس كربلاء بعمق، يجد فيها مدرسة لصناعة القادة الذين لا يساومون على الحق، ولتربية النفوس الحرة التي لا تنكسر أمام الطغيان.

الإمام الحسين قدوةٌ للثابتين، وصانعٌ لقادةٍ عظماء في زمن الانهيارات. ولهذا قال غاندي: ”تعلّمت من الحسين كيف أكون مظلومًا فأنتصر“.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
علي رضي
[ سيهات ]: 7 / 7 / 2025م - 11:57 ص
ما أروع هذا التأصيل التربوي لشخصية الحسين (ع)... فعلا لم يكن قائدا آمرا فقط بل مربيا ينبت القادة من رحم المحنة. المقال ثري ويحتاج أن يدرس في برامج القيادة الحديثة.
2
فاطمة حسن
[ الجارودية ]: 7 / 7 / 2025م - 2:07 م
أحببت طرحك يا أستاذ محمد بس تمنيت إنك توسعت أكثر في تجربة بعض الأصحاب اللي تغيرت شخصياتهم بالكامل بفضل الحسين مثل زهير بن القين
3
علي مدن
[ القديح ]: 7 / 7 / 2025م - 6:19 م
في زمن صار القائد فيه مجرد مدير نحتاج نرجع لمدرسة الحسين (ع) نفهم منها القيادة كموقف ومبدأ. شكرا لك.
4
جعفر آل جمعة
7 / 7 / 2025م - 9:10 م
أجمل سطر في المقال: “لم يضح بالقيم بل ضحى بكل شيء لأجلها”. هذه هي خلاصة القيادة الرسالية. الحسين مدرسة تعيد بناء إنسانيتنا.