النرجسية: مفهومها وآثارها
النرجسية، مصطلح شاع استخدامه في الآونة الأخيرة لوصف أنماط من السلوك الشخصي المرتبط بالأنانية المفرطة والإعجاب الزائد بالذات. تعود جذور الكلمة إلى أسطورة ”نرجس“ الإغريقية، ذاك الفتى الذي عشق صورته المنعكسة على الماء حتى هلك. لكن النرجسية اليوم تعد مفهوما نفسيا واجتماعيا يتعدى حدود الإعجاب بالشكل، ليتناول اضطرابات في الشخصية ذات آثار سلبية على الفرد والمجتمع.
قال جل وعلا: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: 18]
ورد عن الإمام علي 
: ”العجب هلاك، والصبر ملاك“
ومما ورد عن الإمام الصادق : ”من دخله العجب هلك“.
النرجسية هي سمة أو اضطراب نفسي يتسم بالشعور المفرط بالأهمية الذاتية، والحاجة الدائمة للإعجاب، وانعدام التعاطف مع الآخرين. وهي تتراوح بين نرجسية طبيعية - يعد وجودها بدرجات ضئيلة في كل إنسان أمرا طبيعيا - وبين نرجسية مرضية تصنف ضمن اضطرابات الشخصية.
تتمثل سمات الشخصية النرجسية في:
1- الغرور المفرط: يظن النرجسي أنه فريد ولا يضاهى كرفض الاستماع لآراء الزملاء بسبب اعتقاده بتفوقه.
2- الحاجة الدائمة للإطراء: يبحث باستمرار عن التقدير والإعجاب من الآخرين كمثل الصديق الذي يطلب دائما مدح مظهره وإنجازاته.
3- استغلال العلاقات: يستغل من حوله لتحقيق مصالحه دون مراعاة لمشاعرهم كالذي يستعير أموالا دون نية ردها.
4- انعدام التعاطف: لا يبالي بمعاناة الآخرين أو مشاعرهم كالذي يتجاهل مشاكل زميل والتركيز على المصلحة الشخصية.
5- الغيرة والحسد: يغار من نجاحات الآخرين ويظن أن الجميع يحسده مثل الذي يقلل من إنجازات صديق ناجح.
6- التهرب من المسؤولية: يحمل غيره أخطاءه وينكر تقصيره كالذي يلوم الآخرين على أخطائه في العمل أو العائلة.
تتعدد الأسباب خلف النرجسية، منها:
•التربية المفرطة في التدليل أو التوبيخ: حيث ينشأ الطفل إما على الاعتقاد بأنه محور الكون، أو يتخذ الغرور وسيلة للدفاع عن نفسه وهذا نجده في الطفل الذي يكبر معتقدا أنه الأفضل أو يحتمي بالغرور.
•الحرمان العاطفي في الصغر؛ مما يدفع الشخص لاحقا إلى تعويض نقصه بإظهار التفوق الكاذب كالطفل الذي يشعر بالإهمال في المنزل ويحاول لفت الانتباه مبالغا.
•العوامل الوراثية والبيولوجية؛ حيث تشير دراسات إلى وجود عوامل جينية أو بنيوية في الدماغ مرتبطة بالنرجسية. كظهور سلوك نرجسي في أفراد العائلة حتى بدون بيئة مشجعة.
•البيئة الاجتماعية المادية كالثقافة التي تشجع على التنافسية والمظاهر الخارجية مثل المجتمع الذي يقدس المال والمظاهر يدفع البعض للمبالغة في التفاخر.
تنعكس آثار النرجسية على كل من الفرد والمجتمع، أما على الفرد فتكون في صعوبة إقامة علاقات مستقرة، والشعور بالوحدة رغم كثرة العلاقات السطحية، والقلق والاكتئاب في حال الفشل أو النقد، وهذا نجده في الشخص الذي لديه أصدقاء كثيرون على الإنترنت لكنه يشعر بالوحدة.
أما على المجتمع فتكون في تفشي الأنانية في العلاقات الاجتماعية، وصراعات داخل الأسرة ومكان العمل، ضعف روح التعاون والتكافل، مثل المشاكل المتكررة في مكان العمل بسبب الأنانية والتنافسية.
يحتاج علاج النرجسية، خاصة إذا بلغت حد الاضطراب إلى جهد طويل، ومن أبرز الوسائل اتباع العلاج النفسي السلوكي المعرفي وذلك عبر مساعدة الشخص على تعديل أفكاره الخاطئة عن الذات وذلك عبر جلسات علاج تساعد الشخص على رؤية ذاته بواقعية.
. ومن ثم تعزيز مهارات التواضع والتعاطف عبر تمارين وأنشطة جماعية من خلال المشاركة في نشاط تطوعي لتعزيز التعاطف.
، كذلك يبرز الدعم الأسري والاجتماعي بخلق بيئة متوازنة لا تشجع على الغرور من خلال تقديم العائلة ملاحظات بناءة بعيدا عن التمجيد أو النقد.
، وضرورة الوعي الذاتي؛ الذي هو أول خطوات العلاج، إذ يبدأ المريض بإدراك مشكلته عبر كتابة يوميات لتقييم النفس وتحليل التصرفات.
ختاما؛ النرجسية ليست مجرد سلوك مزعج أو صفة سطحية، بل هي نمط نفسي يمكن أن يعكر صفو العلاقات ويشوه صورة الإنسان أمام نفسه والآخرين. الوقاية منها تبدأ من الطفولة، بالتربية المتوازنة وتعليم الطفل قيم التعاطف والاحترام. وفي النهاية، فإن النضج النفسي يكمن في إدراك قيمة الذات دون أن تتحول إلى عبادة للذات، وفي أن يحب الإنسان نفسه بطريقة صحية، تعينه على حب الآخرين.
