إعادة صياغة الطريق... بين القلوب
كلنا بحاجة إلى شخص لا يكتفي بمراقبة المظاهر ولا يتسرع في إصدار الأحكام. نرغب في شخص يتعاطف معنا ويدرك أن خلف الفوضى التي نعيشها، يوجد إنسان هش يُدعى ”إنسان“ - كثير النسيان. حتى في سعيه نحو التغيير، يقسم أنه لن يعود إلى عاداته السيئة، لكنه غالبًا ما ينسى ويعود.
وعندما يعود، يحتاج إلى شخص يذكره بلطف بأنه إنسان جيد، وأن جهوده لن تذهب سدى، وأنه سيصل إلى هدفه في يوم من الأيام. لكن المشكلة تكمن في أن الآخرين قد لا ينسون بسهولة. يأتيه أخوه محملاً بصورة جديدة عن نفسه، فينظر إليه بدهشة، ويعيد له ذكريات من زمن يحاول نسيانه. فلماذا لا نمنحه فرصة جديدة؟ لماذا لا نفتح له صفحة جديدة ليكتب فيها بصدق، ويصبغها بحبر الحب والعمل النقي؟ لا ينبغي أن نغلق الصفحة في وجهه، فهو إنسان، تمامًا مثلنا.
كلنا نحمل في داخلنا ظلام الليل وضوء النهار، فلنكن عونًا لبعضنا البعض في عبور هذه الحياة، بدلاً من أن نكون عقبة في طريق الآخرين.
أتذكر عندما كنت أنتظر الحافلة التي تأخذنا إلى المدرسة، كان هناك رجل في قريتنا يُعتبر مجنونًا، لكنه كان يزيل الأوساخ عن الطريق كل صباح. كنت أراه ينحني ليلتقط القمامة التي لم يرمها هو، بل رماها من يُطلق عليهم ”العقلاء“. كان يكرر ذلك كل يوم، وكأنه — دون أن يتحدث — يقول لنا: ”أنا إنسان… ولدي قيمة، ربما أكبر من بعض من تُطلقون عليهم لقب العقلاء.“
كنت أراقبه وأفكر في صمت: من هو العاقل حقًا؟ نحن أم هو؟ ومنذ ذلك اليوم، لم أعد أرمي الأوساخ إلا في مكانها. لم يكن ذلك مجرد موقف عابر، بل درس عميق لا يزال محفورًا في داخلي.
علّمني هذا الموقف أن لا أكتفي بالظاهر، وأن لا أحكم على الناس من خلال مظهرهم أو تعابير وجوههم. علّمني أن لا أستهزئ أو أضحك على أحد، وأن لا أضع لهم قوالب تناسبني فقط. فالحقيقة أننا لا نستطيع قراءة ما في قلوب الآخرين، ولا نعلم عمق معاناتهم أو صراعاتهم.
فلننظر إليهم بعين الرحمة والإنسانية، لأنهم ببساطة… إنسان مثلنا.
