آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

قهوة ممنوعة

رائدة السبع * صحيفة اليوم

قبل سنوات، وفي غرفة العناية الفائقة، كان يرقد عمي ووالدي الروحي «حسن السبع» - رحمه الله -.

كنت في المشفى، قريبة من الأجهزة، أحرس قلبه، أراقب الأجهزة، وأعدّ نبضاته كأنها آخر تراتيل الحضور.

وصلتني فجأة رسالة من صديقة عزيزة تدعوني لساعةٍ نشرب فيها القهوة. مجرّد ساعة خارج أروقة المشفى. فكّرت كثيرًا.

تردّدت. لم يكن الوقت مناسبًا. كيف أترك رجلًا على حافة الحياة، وأذهب لأشرب قهوتي؟ لكنها ألحّت، كأنها تنتشلني من غرقٍ لم أكن أدركه.

في المقهى، شعرت أولًا بالخيانة. كيف يمكن لقهوة أن تكون دافئة، بينما جسده البارد موصول بالأجهزة؟ لكنني أدركت لاحقًا: لم تكن القهوة هي المقصودة، بل كانت فعلًا صغيرًا أعاد إليّ شيئًا من نفسي، شيئًا كدت أن أفقده

هل كانت تلك اللحظة القصيرة خيانة؟

أم كانت مقاومة؟

هذا هو ذنب الفرح: الإحساس الخفي حين نسمح لأنفسنا بلحظة سرور في زمن لا يحتمله. شعور بأن السعادة خارج موعدها قلة وفاء.

لكن، من الذي قرّر أن الفرح يجب أن يعتذر؟

في المجتمعات التي عاشت الحروب والقمع، تتكوّن حساسية تجاه مظاهر البهجة. كل ضحكة أو احتفال قد تُفهم كاستخفاف بجراح الآخرين. وهكذا تنشأ رقابة جماعية على المشاعر، وتصبح السعادة فعلًا مشبوهًا.

ليست هذه الرقابة قانونًا مكتوبًا، بل شعورًا ثقافيًا. في لحظات الألم الجماعي، يتوارى الناس خلف «وجه الحداد»، لأن الوجه الباسم يثير الريبة.

هل يمكن أن يكون الفرح غير أخلاقي؟

سارتر يرى أن الحرية مسؤولية، وحنّة أرندت تتحدث عن «واجب الحزن» مقابل «أنانية السرور».

لكن نيتشه يرى أن الضحك قوة، وأن البهجة في زمن الانهيار تحدٍّ.

اليوم أصبح الفرح مراقبًا. إذا ضحكت، سيسألك أحدهم: «ألا ترى ما يحدث؟» في العالم من جوع وفقر وحروب!

في ثقافة «الوعي الكامل»، كل لحظة سرور تُحاسب.

ربما لا نحتاج إلى إخفاء الفرح، ولا إلى المبالغة فيه.

بل أن نؤمن: السعادة ليست خيانة.

وأن البهجة، حين تأتي، لا تحتاج إذنًا.