منابرُ للوعي لا التجهيل!
يقيمُ المواطنون في دول مجلس التعاون الخليجي، مراسم العزاء في ذكرى شهادة الإمام الحسين بن علي، خلال موسم محرم. حيث تنشط المجالس العاشورائية بشكل ملحوظ طيلة 13 يومًا. هذه المجالس دائمًا ما يتم التركيز على أن يكون خطابها الديني والأخلاقي بعيداً عن التغول في السياسة أو الاستخدام الحزبي، وهذا أمر مهمٌ وصائب، كي لا يتم توجيه المناسبة إلى غير أهدافها القيمية الكبرى، فتحيد عن الجادة.
إلا أن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو أن لا تكون المنابر الحسينية مكانًا تنتشر منه خطابات التجهيل والسرديات التاريخية البعيدة عن العقلانية، أو تلك التي تظهر آل البيت وكأنهم شخصيات عجائبية ما ورائية!
إن المسلمين بمختلف مذاهبهم وطوائفهم يحترمون آل بيت النبي، ويخصونهم بالمكانة الرفيعة. إلا أن المبالغات الكبيرة من جهة، أو استخدام المخيال الشعبي في تكوين صورة غير واقعية، سلوكٌ لا يستقيم مع العقل، ويجعل المنبر الحسيني محلَ ضعفٍ، ويستحيل إلى وسيلة يستخدمها بعض الدعاة قليلي العلم، لنشر أفكارٍ تحول ”موسم عاشوراء“ إلى ما يشبه الطقس الغرائبي، وذلك معارضٌ للسيرة النبوية وصحيح تعاليم محمد بن عبدالله وآل بيته.
إن العقل يجب أن يكون هو الميزان، والخطاب الحسيني مسؤوليته أن يكون رافدًا لبناء منظومة أخلاقية وقيمية رفيعة منسجمة مع التقدم الفكري البشري، غير منفصلة عنه، ولا منزوية في التأريخ غير الصحيح، بل معتمدة على المواءمة ما بين المقاصد الرفيعة للدين، وحاجة الإنسان في حياة كريمة مزدهرة يكون فيها قادرًا على العيش بسلام داخلي، دون الشعور بتعارض بين الحداثة والتقنية من جهة والخطاب الديني من جهة أخرى. بالطبع لا يمكن اتهام جميع المنابر بأنها تبيعُ الخرافة والقداسات الزائفة، إنما هناك شريحة من الخطباء ممن هم غير مؤهلين لأن يكونوا في هذا الموقع، لذا فإن على أصحاب المجالس مسؤولية الاختيار الصحيح، ولا أن يتم تقديم من ليس لديه علم أو فاقدٌ للبصيرة والحكمة.