العَالم يُشاهد من خلف زجاجة
بماذا يمكنك كشخص أن تبهر العالم؟ وبماذا يمكن لمجتمعك أن يبهر العالم؟ بعض الأشخاص / المجتمعات يبهرون العالم بدقة عملهم وجميل ابتكاراتهم وجودة أعمالهم ولطيف حلولهم وأناقة مساكنهم ونظافة مدنهم ودوام انضباطهم.
كما أن بعض الأفراد يبهرون العالم بقوة منتجاتهم واحتراف أعمالهم وجميل أصواتهم وسرعة بديهتهم وقوة قريحتهم ومستوى وعيهم ولطيف إدارتهم للأزمات وتماسك خططهم. هناك أيضًا مجتمعات تبهرك في قوة تعاضدهم وتلاحمهم وتوادهم والتحشيد للمآتم والاحتفالات وصلابة الدفاع وتدارس الأحداث التاريخية للاتعاظ والحكمة وكبير اهتمامهم بعقائدهم وقوانينهم وأفراد أسرهم وعفة نسائهم وحيوية شبابهم. وهناك مجتمعات تبهرك بمستوى الكرم والبذل والعطاء والسخاء والجود. وكل ذلك يُوَثَّق كمحتوى رقمي ومقاطع فيديو ومقالات صحفية وتغطيات صحفية، وقد ثبت أو لا تبث تلكم المحتويات في بعض مواقع النشرات الإخبارية. إلا أن المؤكد بأن التوثيقات في الإعلام غير الرسمي والموازي كاليوتيوب والبث المباشر فيه والسوشل ميديا أضحى عدد مشاهديها يتجاوز مشاهدي معظم القنوات الرسمية في بعض بقاع العالم!
شخصيًا افتخر كمسلم بالصور الجميلة المتداولة عبر شاشات الجوالات لنجاح إدارة المواسم الدينية في الحج والعمرة والزيارات للأماكن الشريفة؛ وكذلك شخصيًا افتخر بتدوينات وتعليقات بعض السياح الأجانب وتغريداتهم عن الأمن والأمان في دولنا الخليجية. إلا أنه مع شديد الأسف نرى عددًا كبيرًا من رواد العالم الرقمي يحطمون قلوب الصالحين بألفاظهم المتدنية اللاذعة، وتفننهم في استعراض صور مبتذلة وتصوير ونشر الانزلاقات الأخلاقية وتوثيق ارتكابهم الجرائم والتعدي على الناس، وهتك خصوصيات العباد والتحرش بخلق الله.
ما زلت أتذكر في بداية انطلاق تطبيق PowerPoint, انبهر الجميع في أرجاء الأرض بإمكانيات ذاك التطبيق في عرض شرائح وجداول وصور ومقاطع والمساهمة الفعالة في إيصال الأفكار وانعكاس الأرقام بسلاسة. اُعْتُمِد توظيف ذلك التطبيق على نحو رسمي ومعتمد لدى كل الشركات والمؤسسات وحتى مؤسسات الأعمال الخيرية والأهلية عند انعقاد أي اجتماع.
مع أن العالم الرقمي يعج بالمعلومات المتدفقة كالسيل وبالعلوم النافعة والأبحاث الرصينة والمواد المختلفة، إلا أنه مع شديد الأسف يغزو عقول عدد كبير من الشباب حول العالم الفراغ العاطفي والشعور بالتجمد من التفاعل الإيجابي في الأمور النافعة. وطغى في نفس الوقت في العالم الرقمي من قبل الأشرار الترويج للشذوذ والمجون والخلاعة والسفاسف والتفاهة وقصص الجرائم المروعة والأخبار السلبية السيئة. حتى أنك تتساءل هل انحسر حد التصفير تداول مقاطع العلوم النافعة والقصص التحفيزية وعلوم الفطنة ونقل الخبرات النافعة حد اللمم؟
أنصح بمشاهدة وثائقي من قناة DW بعنوان: هل يتلاعب الإنترنت بمشاعرنا؟
في عصرنا الحاضر هناك صفات وعناوين كالشجاعة والصبر والإيمان والعزيمة والإخلاص والتفاني والتضحية والصبر تتجسد في أفراد ومواقف وأحداث تاريخية ملهمة. من جميل الطباع عند عدد يعتد به هو تعاهد إحياء تلكم الأحداث في أرجاء العالم بالمتاح من الإمكانيات؛ لأنها تحيي روح أصحاب المُثل العليا في وجدان الأجيال. فبدءًا من مروءة بني هاشم ووفاء أبي طالب وأخلاق وبلاغة محمد ﷺ وشجاعة علي ومرورًا بحلم الحسن
وتضحية الحسين
ومناجاة علي بن الحسين
وعلم محمد بن علي
وفقه جعفر
ونزاهة الكاظم
وحتى أمل النجاة
.
وعليه أضحى منبر الوعظ الرقمي عليه مسؤولية كبرى، لا سيما مع سعة انتشاره، وتمدد جمهوره التي تجاوزت أرقام الحضور من المنبر الواقعي بأضعاف مضاعفة. وعلى أهل القلم والمنبر مسؤولية تاريخية وواجب إنساني وأخلاقي واجتماعي في إبراز وترسيخ وتحفيز الآخرين على التمسك بالقيم الإنسانية العليا وحسن السردية والتمييز في العرض وشد انتباه الجمهور. ما أن هناك مسؤولية فضح وسائل الذئاب البشرية والدهاة الخبثاء الذين لا يسأمون في سعيهم لتمريغ كرامة الإنسان في وحول الرذيلة والفسق والمجون وعبادة المال وهدم الأسر وتفكيك المجتمعات وترويج المخدرات.
هناك مجاميع ومجموعات يتلاعبون عبر العالم الرقمي بأفكار ومعلومات الأجيال الصاعدة عبر الاستفزاز تارة وعبر المغالطات تارة أخرى وعبر الصور المزورة وعبر المونتاج المتلاعب به. وهذا وذاك يمرر بهدف تشويه سمعة أبناء دين أو طائفة أو منطقة معينة وإقصائهم أو نبذهم. ولمن يتصفح بعقل رشيد يرى مدى قوة وتأثير مواقع المعادين للإسلام والمروجين للإسلاموفوبيا. شخصيًا أحمل كل من يتكلم باسم المجتمع أو العقيدة عبر المنابر أو التيك توك أو السوشل ميديا المسؤولية الكاملة وتبعات الانطباعات التي يتركها في نفوس الآخرين. فإن كان ما يُطْرَح حسن المأمون ونافع الأهداف فإني أعد له؛ وإن كان ما يطرحه أو يقوله أو يصنعه من قول/ فعل سيئ أو شنيع أو مُحرض أو مغالط، حتى لو تم تلبسه لباس الدين أو لباس العادات أو لباس الموضة فإني أتنصل وأتبرأ من ذلك الصنيع واستنكره.