آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 10:36 م

الصديق الثقة والحليف الموثوق

المهندس أمير الصالح *

يبذل… يُولِم «يقدّم ولائم»… يُهدي «يوزّع هدايا»… يُوزّع… يَهَب «يعطي هبات بسخاء»… طمعًا في تأليف القلوب من حوله، وصنع حلفاء «أو حليف موثوق». والحقيقة الناصعة أن الثقة في التحالف تُصنع ولا تُورث. ”حلفاء“ و”حليف“ … كلمات كثيرة التداول في وكالات الأنباء العالمية، لا سيّما في أوقات الأزمات، حيث نظم الاصطفافات، وتنسيق المواقف والأدوار، وتأمين طوق النجاة والنجدة عند التعرّض للتهديدات، لا عند أطراف التحالف. بناء حليف موثوق من داخل أو خارج المجتمع يتطلب وقتًا وجهدًا وصدقًا متراكمًا، وليس مجرد اتفاق مصلحة مؤقت وعابر. والسمة المعروفة لأي تحالف أن الطرف الأقوى في أي حلف هو القائد له، لأنه الحليف الأقوى، والأكثر نفوذًا وتأثيرًا، ومالًا، وتقنية، وانتشارًا، وإعلامًا، وجرأة، وعزيمة، وإمكانيات.

فقاعة تحالف

﴿… آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: آية 11].

يحار البعض في تشخيص الأقرب نفعًا له من القريب نفعًا له، وقد يحتار البعض في تشخيص الحليف الموثوق من الحليف المخادع، لالتباس الأمور عندهم، أو إغفال الفكر لديهم، أو تدنّي مستوى الذكاء العاطفي لديهم. والأعجب من كل ذلك أن تكون الصورة مشوشة، والمفاهيم مختلطة لدى البعض، إلى الحد الذي تراه/هم يتحالف مع حليف أعدائه الألدّاء!! والأدهى والأمرّ هو نكران الجميل ممّن أحسنت إليهم الصنيع.

أصناف الحلفاء:

في تصنيفات تخصص علم الاجتماع، نقرأ عن التصنيفات التالية للمتحالفين: الراعي، المضخِّم، المدافع، الباحث، المتدخل، الداعم، المؤيد.

ولكل صنف تأثير سريع خاطف وتأثير طويل ومدوٍّ؛ فالأنواع التالية: المتدخل والمدافع، تأثيرهما سريع، بينما الراعي والباحث، مداهما طويل وعميق. وفي ملاحظاتي على مستوى الأفراد، أرى أن التصنيفات التالية تندرج ضمن:

1- حليف شعارات

وهو الحليف الذي يختفي عند نشوب الأزمات، ويصبح شبه أخرس أو مفقود الأثر تمامًا عند نشوب الأزمات.

2- حليف حصد المكاسب

وهو الحليف الذي يُكثِر من الكلام لأنه يجني أموالًا ويأكل الخيرات، ولكن لا تجد له أي بصمة أو أثر في الأوقات العصيبة.

3- حليف مصالح عابرة

وأشهر جملة قيلت في حقه: ”حيثما وقعت فهي نصر!“

4- حليف ضعيف

وهو حليف مبادئ مشتركة أو عِرق، ولكنه لا ينشّ ولا يهشّ في أوقات الأزمات، مجرد لقلقة لسان لرفع العتب دون أي عمل في الواقع كمصداق لنيته. والأغلب في هكذا شريحة يُنصح في التعامل معها ضمن نطاق: ”أعطِ لوجه الله، وأمضِ في سبيل الله“. أي لا تترجّى خيرًا مثمرًا وقت الأزمات.

5- حليف قوي وثقة ومدافع

وهو المنشود. هو حليف مبادئ صادق، ووفي، وملتزم بوعوده، وقوي الإرادة.

جملة: ”لا نخشى… أإذا وقعنا على الموت أم وقع الموت علينا؟“ ترجمة صادقة لذلك النوع من الحلفاء الأوفياء.

ما هو المعيار الموضوعي لتصنيف الحليف؟

مشاعرك نحو الآخرين؟ أو عدم خذلان الآخر لك وقت الأزمات؟ أم مواثيق الحماية المتعارف عليها بينكم؟ أم بذل النصيحة؟ هي فلاتر لمعايير تصنيف الحلفاء، أم لديك معايير أخرى؟ يقول بعض أهل التجارب: ”ضع نفسك مكان الآخرين لمعرفة مشاعر الآخرين، وبادر قبل وقوع المشاكل لقراءة ورسم مشهد الحلفاء الموثوقين. لا تنتظر أحدًا أن يخدمك ثم تصنّفه بأنه حليفك، بل بادر أنت بالإحسان إليه، ومدّ يد المودة، لترى وتشخّص المغرور من المسرور بمصافحتك.“

إبراهيم وقراءة الحلفاء في الكون

عند التدبّر في الآية القرآنية: ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ، فإنك تقف على حقيقة كونية بأن الحليف الموثوق هو الله، ومن تخلّق بأخلاق الله.

المبادئ الأساسية لبناء حلف موثوق والاستمرار فيه:

1. الشفافية والصدق:

الصراحة ومشاركة المعلومات ذات الصلة «بحدود المعقول والاحترام» لتُظهر أنك لا تُخفي أجندات.

2. الموثوقية والالتزام:

الوفاء بالعهود هو حجر الزاوية. لا تعد بما لا تستطيع تنفيذه، وإذا وعدت، افعل كل ما بوسعك للوفاء به، والتصرّف بطريقة يمكن التنبؤ بها «بشكل إيجابي». التقلب يقتل الثقة.

3. الاحترام المتبادل:

حتى لو اختلف الحلفاء، احترام آرائهم واجب، واحترام الحدود بعدم تجاوز الخصوصيات الشخصية أو المهنية.

4. الدعم المتبادل:

عبر الحضور في الأوقات الصعبة كما في أوقات النجاح، والدفاع عنه عند الحاجة.

5. التواصل الفعّال:

الاستماع بنشاط، والتواصل بانتظام، والتحدّث بصراحة «مع اللباقة» بشكل مستمر يثبت وينمّي التعاضد بين الحلفاء.

6. المصلحة المشتركة الحقيقية:

لعل الأغلب يجمع على أن معظم التحالفات مبنية على المصالح، ولكن ليس كلها موثوقة. تحديد أهداف متوافقة لجعل التحالف قويًا، وذو رؤية أو أهداف مشتركة حقيقية تتجاوز المصلحة الضيقة أو المؤقتة، أمر في غاية الأهمية.

وشخصيًا، أرى أن الآية القرآنية التالية اختزلت كل شيء:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: آية 159].

عوامل تهزّ الحليف الموثوق:

ينظر كثير من الناس إلى أن المصاهرة هي أهم أداة لبناء حليف موثوق، إلا أن الأيام والتاريخ سجّلا أن وجود العوامل التالية في أحد الأطراف يؤدي إلى تفتت عضد الحلفاء الأقارب، فما بالك بالأباعد:

1. النميمة أو الثرثرة السلبية.

2. الاستغلال واستخدام الحليف لأغراض شخصية دون اعتبار للمصالح المشتركة.

3. المنّ والأذى والتشنيع.

4. الكذب، وخلف الوعود، وإفشاء الأسرار.

5. التركيز على ”الفوز“ على حليفك، بدلًا من النجاح معًا.

6. التخلي عن الحليف في لحظات الأزمات أو الضعف.

هذه أفعال تُدمّر التحالفات مع الأصدقاء والأحبة والزملاء بسرعة كارثية.

الخلاصة:

الحليف الموثوق هو شريك حقيقي للنجاح، لغته: التفاهم، والاحترام، والصدق، والمصالح المتبادلة، والدعم الثابت، والوفاء بالعهود.

فقبل أن تبحث عن حليف موثوق، ابدأ بتطبيق هذه الصفات في نفسك، وابحث عنها لاحقًا في الآخرين.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
رضا آل حماد
29 / 6 / 2025م - 1:39 م
الكاتب قدم خارطة دقيقة للتمييز بين الحلفاء بأسلوب فكري بديع يمزج بين علم الاجتماع والنصوص القرآنية. شدني تشبيهه للتحالف بالأمانة المشتركة التي تحتاج التزاما وجدية لا شعارات فارغة. مقال يستحق إعادة قراءة.

شكرا أستاذ أمير
2
حسين آل درويش
[ سنابس ]: 29 / 6 / 2025م - 4:46 م
أنا أشوف أن هذا النوع من الكتابات يلامس حياة كل واحد فينا. خصوصا لما قال: لا تنتظر أحد يصنفك كحليف بادر أنت بالإحسان.
3
بتول عباس
[ العوامية ]: 29 / 6 / 2025م - 10:01 م
في زمن كل شيء فيه مصالح من النادر نلقى ناس تحكي عن “الحليف الصادق” وتدعو لبناء تحالف على أساس الشفافية والدعم. مقال جميل استاذ امير