المجالس الحسينية: أدبٌ وسلوكٌ يُجسدان حب الحسين (ع)
المجالس الحسينية هي مجالس ذكر تُعقد لإحياء ذكرى الإمام الحسين واستذكار فاجعة كربلاء، وتتميز بجوٍّ من الحزن والوقار والاحترام. ولها آداب وسلوكيات ينبغي مراعاتها تعظيمًا للمقام، وتقديرًا لهول المصاب.
قال جلَّ جلاله في كتابه الكريم: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [1]
فحين نذكر الإمام الحسين فإننا بذكره نشهد بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعندما نقتدي به؛ نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونحج البيت، ومن تمسكنا بفعله وسلوكه فإننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، هذه كلها تندرج تحت شعائر الله التي يجسدها الحسين
ويمثلها ويحققها سلوكه قولًا وعملًا على أرض الواقع.
قال الإمام الحسين : «إني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا ولا مفسدًا، ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين». [2]
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ أنه قال عن الحسن والحسين: ”هما ريحانتاي من الدنيا“ [3]
جاء عن مكتب المرجع السيستاني «دام ظله» في سياق حثه على ضرورة التمسك بالقيم الإسلامية في زيارة الحسين وإقامة مجالس ذكره : الاهتمام بمراعاة تعاليم الدين الحنيف من الصلاة والحجاب والإصلاح والعفو والحلم والأدب وحرمات الطريق وسائر المعاني الفاضلة لتكون هذه الزيارة بفضل الله تعالى خطوة في سبيل تربية النفس على هذه المعاني تستمر آثارها حتى الزيارات اللاحقة وما بعدها فيكون الحضور فيها بمثابة الحضور في مجالس التعليم والتربية على الإمام
. [4]
نُعرّج بعد ذلك على أبرز آداب المجالس الحسينية، والتي تكون في آداب الحضور المتمثل بعقد نية التقرب إلى الله الخالصة عند حضور المجلس، لا لغرض اجتماعي أو دنيوي. ويُستحب الحضور على طهارة، إذ يوصي بعض العلماء بالوضوء قبل دخول المجلس. وارتداء لباس محتشم ومناسب لأجواء الحزن والوقار. كذلك المحافظة على الدخول والخروج بهدوء دون إزعاج أو ضجيج، واختيار مكانًا مناسبًا دون مضايقة الآخرين، والجلوس بأدب واتِّزان.
أما فيما يتعلق بآداب الاستماع والخطابة؛ فيكون الاستماع بتفاعل واحترام للخطيب من قبل الحاضرين، دون تبادل حديث جانبي أو انشغال بالجوال. إضافة لذلك ترك الخطيب يُكمل حديثه دون مقاطعة؛ حتى لو كان هنالك اختلاف رأي على مستوى الرؤى الاجتماعية بدون أن يكون هنالك مساسًا بالثوابت والمعتقدات، ويكون التفاعل مع المأساة الحُسينية بصدق وإخلاص، والتعبير عن الحزن بالشكل اللائق وذلك عبر تجنُّب التصفيق أو المبالغة في ردود الفعل التي تخرج المجلس عن جوه الإيمانيّ الهادئ.
وهنا نأتي إلى آداب التعامل مع الحضور؛ الذي يستلزم منهم التعامل بأدب وتقدير مع بعضهم البعض سواء كانوا كبارًا أو صغارًا. وتجنُّب النقاشات الجانبية أو التفاخر بالمعرفة الدينية. ترك وإفساح أماكن الجلوس للمسنين أو ذوي الاحتياجات، وتجنّب التزاحم. التحلي بالصبر في الزحام أو التوزيع أو غيره من الترتيبات المصاحبة لمراسيم المجلس.
وعند الختام والمغادرة يتعين على الحضور المشاركة والحرص بالدعاء بعد نهاية المجلس والتأمين عليه. احترام جو الحزن عند الخروج، وتجنُّب الضوضاء. وإن وُجد خلل في التنظيم أو الخطاب، فليُناقش بأدب ونصح وتفهم دون مجاهرة ومشاحنة.
ومن عمومية الآداب العامة المتعلقة بالحضور لمثل هذه المجالس، أن يكون البكاء تعبيرًا صادقًا لا مجرد عادة.. الامتناع عن التصوير خاصة أثناء البكاء أو اللطم، احترامًا لخصوصية المشاعر. عدم ترك نفايات أو تسبب فوضى بعد المجلس. تشجيع الأبناء على الحضور وتعليمهم الأدب والسكينة منذ الصغر.
واتباع التعليمات الواردة من الجهات الحكومية والإشرافية في تنظيم مثل هذه التجمعات.
ختامًا فأن المجالس الحسينية ليست فقط لحظات بكاء على مصيبة الإمام الحسين وإن كان ذلك مطلوبًا ومهمًا في حد ذاته، بل هي مدرسة روحية وأخلاقية وتربوية، تحيي الضمير، وتُجدد قيم الحق والتضحية والعدل. فكلما زاد الالتزام بآدابها، كان الأثر أعمق وأدوم وأعمق في النفوس.