الستر والعفة قيم وأخلاق
ما أحوجنا في هذه الأيام، ونحن على أبواب شهر محرّم الحرام، أن يتطرّق خطباؤنا الأفاضل إلى مواضيع ذات أهمية قصوى، تُعنى بمعالجة قضايا اجتماعية ذات بُعد إرشادي وتوجيهي، تمسّ واقعنا المعاصر، حيث الكلمة وأبعادها التربوية والأخلاقية تنعكس بوضوح على سلوكياتنا ونمط حياتنا في بُعدها الديني والعقائدي؛ لما لها من قيمٍ وأهدافٍ تُغرس فينا دروسًا نحن في أمسّ الحاجة إليها.
ومن بين هذه الدروس، صيانة وترميم منهاج الستر والعفاف، الذي يتطلب منّا التركيز عليه ومناقشته بعناية فائقة، نظرًا لما نعانيه من أمراض اجتماعية ابتُلينا بها، ونحتاج إلى معالجتها بتأنٍ وحكمة. فالخوض في أعراض الناس والتشهير بهم من الصفات المذمومة، ويمثّل إسقاطًا ماديًا ومعنويًا يهزّ الوجدان والضمير.
فبدلًا من ستر العيوب وكتمانها، هناك من صغار القلوب والأنفس المريضة مَن يتشفّى، ويغتنمها فرصة لا تُعوّض لإرضاء أهوائه وتحقيق غاياته، متناسيًا أن الستر من السمات والفضائل الحميدة، لا سيما إذا اقترن بالعفاف، إذ ينطلق منه كل مؤمن جعلهما عنوانًا لحياته ومسيرةً يستظل بها، وينطلق من خلالها إلى مكارم الأخلاق والفضيلة التي أمر بها الله تعالى ورسوله الأكرم ﷺ.
والستر في معناه هو تغطية الشيء وإخفاؤه، وترك تتبع نواقص الآخرين والتغافل عنها، وهو من الخصال التي أمر بها الشرع الحنيف، وحثّ عليها ورغّب فيها، لما له من أثر في ترسيخ الوفاق الاجتماعي، وتحصين المجتمع من التشتت والفرقة.
ولكن، هناك من صغار العقول من اعتاد على تتبع عيوب الناس وزلاتهم، جسدية كانت أو معنوية، وقد جاء النهي عن ذلك في السنّة الشريفة، وذمّت هذه الأفعال، بل وجعلت لمن يتركها أجرًا عظيمًا. ففي الحديث الوارد عن الإمام محمد الباقر ، عن النبي ﷺ:
«إن أسرع الخير ثوابًا البر، وأسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيبًا أن يُبصر من الناس ما يعمى عنه، وأن يُعيّر الناس بما لا يستطيع تركه، وأن يُؤذي جليسه بما لا يعنيه».
وعنه ﷺ: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا، ستره الله يوم القيامة».
فحريٌّ بنا أن نُطهّر ألسنتنا وضمائرنا من هذه الآفات، وأن يُركّز خطباؤنا على هذا المدلول الأخلاقي، ويُشبعوه بحثًا وتمحيصًا، حتى يأخذ حقّه في الوعي الجمعي للمجتمع، ويتكرّس هذا النهج في نفوس الصغار قبل الكبار في حياتنا ومجتمعاتنا…
والله الموفّق.