آخر تحديث: 31 / 7 / 2025م - 11:44 ص

حكّة وذمّة

عماد آل عبيدان

لا أحد يخلو من مرور هذه التجربة عليه، ولكن ليس كل شخص يتحدث عنها…

كنت خارجًا من العمل، أُعاني صداعًا حادًّا، ونهضت من على الكرسي وكأنني أحمل سبيكة من الحديد فوق رأسي. كل ما يدور في ذهني: أن أصل إلى السيارة، أُشغّل المكيّف، وأستمع إلى شيءٍ من الفرح والمواليد، لعلّه يداوي هذا الزمن المستجد.

أصل إلى المواقف، أُتابع سيري بثقة. سيارتي أوقفتها منذ البارحة، مستقيمة كأنها صورة في كتالوج شركة سيارات. لا تميل، ولا تنحرف، ولا تطغى على الخط، موقعها وكأنّه مرسوم بمسطرة هندسية.

لكن…

يا إلهي… يا ربّاه…

من النظرة الأولى، رأيت ”الخدش“ وكأنّه توقيعُ لصٍّ نادم… خطٌّ أبيض طويل على الباب، واضحٌ وجريء، كأنّه يقول: ”مررنا من هنا ولم يرنا أحد.“

توقّفتُ، تنهدتُ، لم أستطع أن أصرخ، فلا أحد يسمع، ولا أحد سيجيب.

لكن قلبي؟ كان يصفّق من شدّة القهر!

هل تتخيّل هذا الشعور؟

سيارتك، قد لا تكون فخمة، وربما ليست من الطراز الحديث، لكنك تعبتَ لأجلها، أنفقتَ عليها، تغسلها بيديك، أو تكلف من يقوم بذلك، وتُوقفها وكأنك تضعها في خزنة حديدية!

ثمّ يأتي أحدهم، لا يملك ذمّةً، ولا ضميرًا، يُتلفها أو يصدمها، ويمضي كأن الدنيا سائبة!

لم يترك ورقة، ولا رقمًا، ولا حتى اعتذارًا على مناديل ورقية، لم يكتب: ”آسف، لم أقصد“، ولم يُرفق رقم هاتفه مع عبارة: ”سامحني، تواصل معي“، لم يترك شيئًا…

فقط خلّف لي ”خدشًا“ … و”حسرة“.

وبدون أن أدرك، ارتفع صوت داخلي يقول:

"تخيّل لو أنّه كان مكانك؟

لو أنّ أحدهم خدش سيارته وهرب؟

هل كان ليسكت؟

هل كان ليرضى؟

أم كان سيتحوّل فجأة إلى حارسٍ للقانون والنظام؟"

يا سادة… إنّ القيادة ليست مجرد ضغطٍ على البنزين وإدارةٍ لعجلة القيادة، القيادة خُلُقٌ وذمّة، قبل أن تكون مهارة.

واسمعها منّي:

”ليس كل من حصل على رخصة، يُجيد القيادة… ولكن كل من امتلك ضميرًا، يعرف كيف يتصرّف إن أخطأ.“

وإن حدث، فعلاً، أن خدشتَ سيارة أحدهم دون قصد، لا تهرب وتختفي…

اترك له ورقة، واكتب:

”أخوك فلان، ما حدث كان خطأ غير مقصود، هذا رقمي، تواصل معي وسنتفاهم… والله يعينك عليّ.“

حتى لو لم تكن تملك المال، أو لم يكن لديك تأمين، يكفي أنك حاولت، وأبرأت ذمتك… فإنّ الله عزّ وجل لا يُضيع حقًّا، لكن من يتهرّب من الخطأ؟ هو من يضع نفسه موضع الخصم، ويضيّع حق غيره بيده.

أما من يقول:

”والله لم يكن لدي وقت، أو شعرت بالخوف، أو لم ألاحظ“ …

فكلها أعذار لا ترفع عنك الإثم، ولا تمحو ”الخدش“ الذي لم يكن في الباب أو الصدّام، بل في الضمير.

وهي مسجلة عليك عند ربّ العباد، لأنها من حقوق العباد.

ويا كثرهم…

أولئك الذين يخدشون ويمضون، كأن المدينة موقفٌ للفوضى، وكأن القانون في إجازة، وكأن الضمير ”قطعة غيار“ لا تُهمّهم إلا إذا تعطّلت مصالحهم!

لكن…

لا أقول إلا:

اللّ?ه سبحانه وتعالى لا يُضيع حقًّا، ولا يغفر لمن يتعمّد الأذى ويمضي كأنّ الدنيا بلا حساب ولا عقاب.

وخاتمتها؟

أقولها من شدّة القهر، ومن عمق القلب:

”ضع نفسك مكان غيرك قبل أن تقف على بابه… لأن الذوق لا يُدَرّس، بل يُورث، ويُكتسب، ويظهر من أول وقفة.“

وإن كنت من الذين يخطئون ولكن يحملون نوايا طيبة؟

فليكن في حوزتك دائمًا ورقة صغيرة وقلم، واكتب:

”آسف.. هذا رقمي للتواصل“،

وضعها تحت المسّاحة.

فحتى الاعتذار… له وزنه، وله أثر…

والناس الطيبة لا تنسى الطيب والذوق.